وَهَذا بخِلافِ الآبِقِ، حَيثُ يَكونُ لِلرَّادِّ حَبْسُه لِاستِيفاءِ الجُعلِ، ولا أثَرَ لِعَملِهِ؛ لأنَّه كانَ على مَشَارِفِ الهَلاكِ، وقَد أحياهُ، فكَأنَّه باعَه مِنه، فلَه حَقُّ الحَبسِ؛ فإنْ حَبَسَ الحَمَّالُ المَتاعَ فهو غاصِبٌ؛ لأنَّه لا أثَرَ لِعَملِه، والعَينُ أمانةٌ في يَدِه، فإذا حَبَسَها بدَيْنِه صارَ غاصِبًا؛ كالوَديعةِ؛ فإنَّها لا تُحبَسُ لِأجْلِ الدَّيْنِ.
ثم إذا حَبَسَ العَينَ ضَمِنَها ضَمانَ الغَصبِ -كَما تَقدَّمَ- وصاحِبُها بالخِيارِ إنْ شاءَ ضَمَّنَه قِيمَتَها -أي: قِيمَتَها شَرعًا- مَحمولةً، ولَه الأجْرُ، وإنْ شاءَ غيرَ مَحمولةٍ، بلا أجْرٍ، قالَ أبو يُوسفَ: في الحَمَّالِ إذا بَلَغَ المَنزِلَ فطَلَب الأُجرةَ قبلَ أنْ يَضَعَ الشَّيءَ مِنْ رَقَبَتِه لَم يكُنْ له ذلك حتى يَضَعَهُ؛ لأنَّ الإنزالَ مِنْ تَمامِ العَملِ.
وَوَجْهُهُ ما ذَكَرْنا أنَّ العَينَ كانَتْ أمانةً في يَدِه، فإذا حَبَسَها بدَيْنِه فقَد صارَ غاصِبًا، كَما لَو حَبَسَ المُودَعُ الوَديعةَ بالدَّيْنِ، هذا الذي ذَكَرْنا أنَّ العَملَ لا يَصيرُ مُسلَّمًا إلى المُستَأجِرِ إلَّا بعدَ الفَراغِ منه حتى لا يَملِكَ الأجيرُ المُطالَبةَ بالأُجرةِ قبلَ الفَراغِ، إذا كانَ المَعمولُ فيه في يَدِ الأجيرِ؛ فإنْ كانَ في يَدِ المُستَأجِرِ فقَدْرُ ما أوقَعَه مِنْ العَملِ فيه يَصيرُ مُسلَّمًا إلى المُستَأجِرِ قبلَ الفَراغِ مِنه، حتى يَملِكَ المُطالَبةَ بقَدْرِه مِنْ المدَّةِ بأنِ استَأجَرَ رَجُلًا لِيَبنيَ له بِناءً في مِلْكِه، أو فيما في يَدِه، بأنِ استَأجَرَه لِيَبنيَ له بِناءً في دارِه، أو يَعمَلَ له ساباطًا أو جَناحًا أو يَحفِرَ له بِئرًا أو قَناةً أو نَهَرًا أو ما أشبَهَ ذلك في مِلكِه، أو فيما في يَدِه فعَمِلَ بَعضَه، فلَه أنْ يُطالِبَه بقَدْرِه مِنْ الأُجرةِ، لَكنَّه يُجبَرُ على الباقي حتى لَوِ انهَدَمَ البِناءُ أو انهارَتِ البِئرُ أو وقعَ فيها الماءُ والتُّرابُ، وسَوَّاها مع الأرضِ، أو سقطَ السَّاباطُ فلَه أجْرُ ما عَمِلَه بحِصَّتِه؛ لأنَّه إذا كانَ