ثم عِندَهُما إنَّما يَضمَنُ إذا كانَ المَتاعُ المُستَأجَرُ عليه مُحدَثًا فيه عَملٌ؛ أمَّا لَو أعطاه مُصحَفًا لِيَعمَلَ له غِلافًا، أو سَيفًا لِيَعمَلَ له جِهازًا، أو سِكِّينًا لِيَعمَلَ لَها نِصابًا، فضاعَ المُصحَفُ أوِ السَّيفُ، أوِ السِّكِّينُ؛ فإنَّه لا يَضمَنُ إجماعًا.
وَعَنْ أبي يُوسفَ ﵀ لَو دفعَ إليه مُصحَفًا يُنَقِّطُه بأجْرٍ فضاعَ غِلافُه، لَم يَضمَنْ، وكذلك لَو دفعَ إليه ثَوبًا لِيَرفُوَه في مِنديلٍ فضاعَ المَنديلُ، وكذلك إذا دفعَ إليه مِيزانًا لِيُصلِحَ كِفَّتَيْه فضاعَ العُودُ الذي يَكونُ فيه المِيزانُ (١).
وقالَ المالِكيَّةُ: يَضمَنُ الأجيرُ المُشترَكُ، وهو الصَّانِعُ -سَواءٌ كانَ بأجْرٍ أو بغَيرِ أجْرٍ- فيما غابَ عليه، وادَّعَى تَلَفَه، ولَم يُعلَمْ ذلك إلَّا بقَولِه، ولا ضَمانَ عليه فيما ثبَتَ ضَياعُه بالبيِّنةِ مِنْ غيرِ تَضييعٍ.
فالصَّانِعُ يَضمَنُ مَصنوعَه فيما له فيه صَنعةٌ فقَطْ، كَحُلِيٍّ يَصوغُها وكِتابٍ يَنسَخُه وثَوبٍ يَخيطُه وخَشَبةٍ يَصنَعُها، كَذا ثم يدَّعِي تَلَفَه، أو ضَياعَه، فأمَّا ما كانَ لا صَنعةَ له فيه له فلا يَضمَنُ؛ كالكِتابِ إذا دفعَه المَنسوخُ له لِيَنسَخَ له مِنه؛ إذْ لا صَنعةَ له فيه، وكَذا إذا دفعَ له سَيفًا يَصوغُ له على نَصلِه، ودفعَ معه الجَفنَ، فضاعَ، فإنَّه لا يَضمَنُه، وكذلك ظَرفُ القَمحِ إذا ضاعَ مِنْ عِنْدِ الطَّحَّانِ، ونَحوُ ذلك ممَّا هو مُحتاجٌ إلَيه، ولَو كانَ مُحتاجًا له عَمِلَ، أي: ولَو كانَ الآخَرُ يَحتاجُ عَملَ المَصنوعِ لَه، فيَضمَنُ مَصنوعَه
(١) «بدائع الصنائع» (٤/ ٢١٠، ٢١١)، و «المبسوط» (١٥/ ٨٠)، وما بعدها ومَجمَع الضَّمانات (١٠٠/ ١٠٣)، و «البحر الرائق» (٨/ ٣٠، ٣١)، و «مختصر اختلاف العلماء» (٤/ ٨٥)، و «الجوهرة النيرة» (٣/ ٣٤٠، ٣٤١)، و «الهندية» (٤/ ٥٠٠).