للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أكرَهُ أكْلَ كِرائِه، وإذا كانَ لِمُسلِمٍ فهو أشَدُّ، ولَكنَّ المَذهَبَ خِلافُ هذه الرِّوايةِ؛ لأنَّه استِئجارٌ لِفِعلٍ مُحرَّمٍ؛ فلَم يَصحَّ، كالزِّنا، ولأنَّ النَّبيَّ لَعَنَ حامِلَها والمَحمولةَ إلَيهِ (١).

وَذَهَبَ الإمامُ أبو حَنيفَةَ إلى جَوازِ استِئجارِ المُسلِمِ لِحَملِ الخَمرِ لِلذِّميِّ؛ لأنَّ الإجارةَ على الحَملِ، وهو لَيسَ بمَعصيةٍ، بدَليلِ أنَّ حَمْلَها لِلإراقةِ والتَّخليلِ مُباحٌ، وكَذا لَيسَ بسَبَبٍ لِلمَعصيةِ، وهو الشُّربُ؛ لأنَّ ذلك يَحصُلُ بفِعلِ فاعِلٍ مُختارٍ، وليسَ الحَملُ مِنْ ضَروراتِ الشُّربِ، فكانَتْ سَبَبًا مَحضًا؛ فلا حُكمَ لَه، كَما إذا استَأجَرَه لِعَصرِ العِنَبِ أو قَطْعِه وقَطْفِه، والحَديثُ مَحمولٌ على الحَملِ بنِيَّةِ الشُّربِ، وبِه نَقولُ: إنَّ ذلك مَعصيةٌ، ويُكرَهُ أكْلُ أُجرَتِه.

وَلا يَجوزُ استِئجارُه على عَصرِ الخَمرِ؛ لِقيامِ المَعصيةِ بعَيْنِه.

وعلى هذا الخِلافِ لَو آجَرَ الذِّميُّ دَابَّةً مِنْ المُسلِمِ أو سَفينةً لِيَنقُلَ عليها الخَمرَ، أو آجَرَه نَفْسَه لِيَرعَى له الخَنازيرَ يَطيبُ له الأجْرُ عندَ أبي حَنيفَةَ، وعِندَهُما: لا.

وَإنِ استَأجَرَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيًّا لِشَيءٍ مِنْ ذلك فهو جائِزٌ، وكذلك لَو استَأجَرَه يَرعَى له خَنازيرَ؛ لأنَّ الخَمرَ والخِنزيرَ مالٌ مُتقَوَّمٌ في حَقِّهم بمَنزِلةِ الشَّاةِ والبَعيرِ في حَقِّنا (٢).


(١) «المغني» (٥/ ٣٢٠)، و «الشرح الكبير» (٦/ ٢٩)، و «اقتضاء الصراط المستقيم» (٢٤٤، ٢٤٦)، و «أحكام أهل الذمة» (١/ ٥٨٥).
(٢) «المبسوط» (١٦/ ٣٨، ٣٩)، و «بدائع الصنائع» (٤/ ١٩٠)، و «المحيط البرهاني» (٨/ ٨٤)، و «ابن عابدين» (٦/ ٣٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>