يَتصدَّقُ بجَميعِ الكِراءِ لِلفُقَراءِ وُجوبًا في الإجارةِ، وبِفاضِلِ الثَّمنِ عن ثَمنِ المِثلِ في البَيعِ، بأنْ يُقالَ: ماذا يُساوي ثَمنُ هذه الدَّارِ أو هذه الأرضِ لِمَنْ يَتَّخِذُها خَمَّارةً مثلًا؟ فيُقالُ: خَمسةَ عَشَرَ. ثم يُقالُ: وما تُساوي لَو بِيعتْ لِمَنْ لا يَتَّخِذُها خَمَّارةً؟ فيُقالُ: تُساوي عَشَرةً. فيُتَصَدَّقُ بالخَمسةِ الزَّائِدةِ، والفَرقُ بينَ الكِراءِ والبَيعِ أنَّه لَمَّا كانَ يَعودُ لِلمُكري ما أكراه لَم يكُنْ عليه ضَرَرٌ كَثيرٌ؛ فلِذلك لَزِمَه التَّصَدُّقُ بالكِراءِ جَميعِه، بخِلافِ البائِعِ؛ فإنَّه لا يَعودُ إليه ما باعَه؛ فلَو وجبَ عليه التَّصَدُّقُ بالجَميعِ لاشتَدَّ ضَرَرُه، والأرضُ كالدَّارِ مِنْ أنَّه يَتصدَّقُ بالكِراءِ، وقيلَ: يَتصدَّقُ مِنْ كِراءِ الأرضِ بالزَّائِدِ، كَما في البَيعِ، والفَرقُ على هذا أنَّ الدَّارَ لَمَّا كانَتْ لا يُنتَفَعُ بها إلَّا بعدَ بِنائِها في الأغلَبِ، فكَأنَّ الدَّراهِمَ إنَّما وَقَعَتْ في مُقابَلةِ الأرضِ ذاتِها، وأمَّا الأرضُ فإنَّه يَنتفِعُ بها مِنْ غيرِ بِناءٍ؛ فالمَنفَعةُ فيها هي المَقصودةُ بالإجارةِ (١).
وقالَ الإمامُ أبو حَنيفَةَ ﵀: يَجوزُ إجارةُ بَيتٍ لِيُباعَ فيه خَمرٌ بالسَّوادِ، أي: بالقَريةِ، وإنَّما جازَ لأنَّ السَّوادَ في ذلك الوَقتِ كانَ لِأهلِ الذِّمةِ، فلا يُمنَعونَ مِنْ اتِّخاذِه في أملاكِهم، فكَيفَ إذا استَأجَروه؟ ولأنَّه
(١) «المدونة الكبرى» (١١/ ٤٢٣، ٤٢٤)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٥/ ٣٦٥)، و «مواهب الجليل» (٧/ ٤٢٤)، و «التاج والإكليل» (٤/ ٤٨٩)، و «تحبير المختصر» (٤/ ٥٧٠، ٥٧١)، و «شرح مختصر خليل» (٧/ ٢٢، ٢٣)، و «منح الجليل» (٧/ ٤٤٩)، و «مغني المحتاج» (٣/ ٣٨٧)، و «المغني» (٥/ ٣٢١)، و «الكافي» (٢/ ٣٠٢)، و «الشرح الكبير» (٦/ ٢٨)، و «اقتضاء الصراط المستقيم» (٢٣٣، ٢٣٦)، و «أحكام أهل الذمة» (١/ ٢١٥).