ذلك إلى المُؤجِّرِ، وصارَ كَبَيعِ الجاريةِ لِمَنْ لا يَستَبرِئُها، أو يَأتيها في دُبُرِها، أو بَيعِ الغُلامِ مِمَّنْ يَلوطُ به، والدَّليلُ عليه أنَّه لَو أجَّرَه لِلسُّكنَى جازَ، ولا بدَّ فيه مِنْ عِبادَتِه، وإنَّما قَيَّدَه بالسَّوادِ؛ لأنَّهم لا يُمكَّنونَ مِنْ ذلك في الأمصارِ، ولا يُمكَّنونَ مِنْ إظهارِ بَيعِ الخَمرِ والخِنزيرِ في الأمصارِ؛ لِظُهورِ شَعائرِ الإسلامِ؛ فلا يُعارَضُ بظُهورِ شَعائرِ الكُفرِ، قالوا في هَذا: سَوادُ الكُوفةِ؛ لأنَّ أغلَب أهلِها أهلُ ذِمَّةٍ، وأمَّا في غَيرِها فشَعائِرُ الإسلامِ ظاهِرةٌ؛ فلا يُمكَّنونَ فيها في الأصَحِّ.
قالَ الكاسانيُّ ﵀: ولَو كانَتِ الدَّارُ بالسَّوادِ ذُكِرَ في الأصلِ أنَّه لا يُمنَعُ مِنْ ذلك، لَكِنْ قيلَ: إنَّ أبا حَنيفَةَ إنَّما أجازَ ذلك في زَمانِهِ؛ لأنَّ أكثَرَ أهلِ السَّوادِ في زَمانِه كانوا أهلَ الذِّمةِ مِنْ المَجوسِ، فكانَ لا يُؤدِّي ذلك إلى الإهانةِ، والِاستِخفافِ بالمُسلِمينَ.
وأمَّا اليَومَ فالحَمدُ للَّهِ ﷾، فقَد صارَ السَّوادُ كالمِصرِ؛ فكانَ الحُكمُ فيه كالحُكمِ في المِصرِ، وهذا إذا لَم يُشرَطْ ذلك في العَقدِ؛ فأمَّا إذا شُرِطَ بأنِ استَأجَرَ ذِمِّيٌّ دارًا مِنْ مُسلِمٍ في مِصرٍ مِنْ أمصارِ المُسلِمينَ لِيَتَّخِذَها مُصَلًّى لِلعامَّةِ لَم تَجُزِ الإجارةُ؛ لأنَّه استِئجارٌ على المَعصيةِ، وكَذا لَوِ استَأجَرَ ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ لِيَفعَلَ ذلك؛ لِمَا قُلْنا (١).
(١) «بدائع الصنائع» (٤/ ١٧٦)، و «تبيين الحقائق» (٥/ ٢٩)، و «البحر الرائق» (٨/ ٢٣٠)، و «مجمع الأنهر» (٣/ ٥٣٣)، و «الدر المختار» (٦/ ٣٩٢)، و «مجمع الأنهر» (٤/ ١٨٧)، والتجريد للقدوري (٧/ ٣٦٩٢).