يَعودُ لِلمُكري ما أكراه لَم يكُنْ عليه ضَرَرٌ كَثيرٌ؛ فلِذلك لَزِمَه التَّصدُّقُ بالكِراءِ جَميعِه، بخِلافِ البائِعِ؛ فإنَّه لا يَعودُ إليه ما باعَه، فلَو وجبَ عليه التَّصدُّقُ بالجَميعِ لَاشتَدَّ ضَرَرُه، والأرضُ كالدَّارِ مِنْ أنَّه يَتصدَّقُ بالكِراءِ، وقيلَ: يَتصدَّقُ مِنْ كِراءِ الأرضِ بالزَّائِدِ، كَما في البَيعِ، والفَرقُ على هذا أنَّ الدَّارَ لَمَّا كانَتْ لا يُنتفَعُ بها إلَّا بعدَ بِنائِها في الأغلَبِ، فكَأنَّ الدَّراهِمَ إنَّما وَقَعَتْ في مُقابَلةِ ذاتِ الأرضِ، وأمَّا الأرضُ فإنَّه يَنتفِعُ بها مِنْ غيرِ بِناءٍ؛ فالمَنفَعةُ فيها هي المَقصودةُ بالإجارةِ (١).
وقالَ الإمامُ أبو حَنيفَةَ ﵀: يَجوزُ إجارةُ بَيتٍ لِيَتَّخذَ بَيتَ نارٍ أو بَيْعةً أو كَنيسةً بالسَّوادِ، أي: بالقَريةِ، وإنَّما جازَ لأنَّ السَّوادَ في ذلك الوَقتِ كانَ لِأهلِ الذِّمةِ، فلا يُمنَعونَ مِنْ اتِّخاذِ الكَنائِسِ في أملاكِهم، فكَيفَ إذا استَأجَروه؟ ولأنَّه مَعنًى أقَرُّوا عليه بعَقدِ الإجارةِ، فجازَ استِئجارُ الدَّارِ لَه، أصْلُه: إذا اكتَروْها لِذَبائِحِهم.
وَلأنَّ الإجارةَ على مَنفَعةِ البَيتِ، ولِهَذا تَجِبُ الأُجرةُ بمُجرَّدِ التَّسليمِ، ولا مَعصيةَ فيهِ؛ وإنَّما المَعصيةُ بفِعلِ المُستَأجِرِ، وهو مُختارٌ فيه، فقَطعُ نِسبةِ
(١) «المدونة الكبرى» (١١/ ٤٢٣، ٤٢٤)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٥/ ٣٦٥)، و «مواهب الجليل» (٧/ ٤٢٤)، و «التاج والإكليل» (٤/ ٤٨٩)، و «تحبير المختصر» (٤/ ٥٧٠، ٥٧١)، و «شرح مختصر خليل» (٧/ ٢٢، ٢٣)، و «منح الجليل» (٧/ ٤٤٩)، و «البيان» (٧/ ٢٩٠)، و «مغني المحتاج» (٣/ ٣٨٧)، و «المغني» (٥/ ٣٢١)، و «الكافي» (٢/ ٣٠٢)، و «الشرح الكبير» (٦/ ٢٨)، و «اقتضاء الصراط المستقيم» (٢٣٣، ٢٣٦)، و «أحكام أهل الذمة» (١/ ٢١٥).