للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فذهبَ الحَنفيَّةُ، على ما حَكاه الكاسانيُّ إلى أنَّه لا يَجوزُ إجارةُ ماءٍ في نَهَرٍ أو بِئرٍ أو قَناةٍ أو عَينٍ؛ لأنَّ الماءَ عَينٌ، فإنِ استَأجَرَ القَناةَ والعَينَ والبِئرَ مع الماءِ لَم يَجُزْ أيضًا، لأنَّ المَقصودَ منه الماءُ، وهو عَينٌ، ولا يَجوزُ استِئجارُ الآجامِ التي فيها الماءُ لِلسَّمَكِ وغَيرِه مِنْ القَصَبِ والصَّيدِ؛ لأنَّ كلَّ ذلك عَينٌ؛ فإنِ استَأجَرَها مع الماءِ فهو أَفسَدُ وأخبَثُ؛ لأنَّ استِئجارَها بدُونِ الماءِ فاسِدٌ؛ فكانَ مع الماءِ أَفسَدَ (١).

لكِنَّ المُفتَى به عن الحَنفيَّةِ هو الجَوازُ؛ لِعُمومِ البَلْوَى، قالَ في «الدُّر المُختار»: جازَ إجارةُ القَناةِ والنَّهَرِ -أي: مَجرَى الماءِ- مع الماءِ تَبَعًا، به يُفتَى لِعُمومِ البَلْوَى (٢).

وَذَهَبَ الحَنفيَّةُ في المُفتَى به عِندَهم -كَما تَقدَّمَ- والشَّافعيَّةُ والحَنابِلةُ إلى جَوازِ استِئجارِ البِئرِ.

قالَ الشَّافعيَّةُ: يَصحُّ استِئجارُ القَناةِ، وهي الجَدوَلُ المَحفورُ لِلزِّراعةِ بمائِها الجاري إلَيها مِنْ النَّهَرِ؛ لِلحاجةِ، لا استِئجارُ قَرارِها دونَ الماءِ، بأنِ استَأجَرَها لِيَكونَ أحَقَّ بمائِها الذي يُتحَصَّلُ فيها بالمَطَرِ والثَّلجِ في المُستَقبَلِ؛ لأنَّه استِئجارٌ لِمَنفَعةٍ مُستَقبَلةٍ، بخِلافِ ما لَوِ استَأجَرَها لِيَجرِيَ فيها الماءُ، أو لِيَحبِسَ الماءَ فيها، حتى يَجتَمِعَ فيها السَّمَكُ.

وَيَصحُّ استِئجارُ البِئرِ لِلِاستِقاءِ مِنْ مائِها لِلحاجةِ.


(١) «بدائع الصنائع» (٤/ ١٧٥)، و «تحفة الفقهاء» (٢/ ٣٥٧)، و «فتاوى السعدي» (٢/ ٥٧٥).
(٢) «الدر المختار» (٦/ ٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>