يُوَضِّحُه الوَجهُ الرَّابِعُ: وهو أنَّ اللَّهَ ﷾ نَصَّ في كِتابِه على إجارةِ الظِّئرِ، وسَمَّى ما تَأخُذُه أجرًا، وليسَ في القُرآنِ إجارةٌ مَنصوصٌ عليها في شَريعَتِنا إلَّا إجارةَ الظِّئرِ بقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ﴾ [الطلاق: ٦].
قالَ شَيخُنا ﵀: وإنَّما ظَنَّ الظَّانُّ أنَّها خِلافُ القِياسِ، حَيثُ تَوَهَّمَ أنَّ الإجارةَ لا تَكونُ إلَّا على مَنفَعةٍ، وليسَ الأمرُ كذلك، بَلِ الإجارةُ تَكونُ على كلِّ ما يُستَوفَى مع بَقاءِ أصلِه، سَواءٌ كانَ عَينًا أو مَنفَعةً، كَما أنَّ هذه العَينَ هي التي تُوقَفُ وتُعارُ فيما استَوفاه المَوقوفُ عليه، والمُستَعيرُ بلا عِوَضٍ يَستَوفيه المُستَأجِرُ، وبِالعِوَضِ، فلَمَّا كانَ لَبنُ الظِّئرِ مُستَوفًى مع بَقاءِ الأصْلِ جازَتِ الإجارةُ عليه، كَما جازَتْ على المَنفَعةِ، وهذا مَحضُ القِياسِ؛ فإنَّ هذه الأعيانَ يُحدِثُها اللَّهُ ﷾ شَيئًا بعدَ شَيءٍ، وأصْلُها باقٍ، كَمَا يُحدِثُ اللَّهُ ﷾ المَنافِعَ شَيئًا بعدَ شَيءٍ، وأصْلُها باقٍ.
وَيُوضِّحُه الوَجهُ الخامِسُ: وهو أنَّ الأصلَ في العُقودِ وُجوبُ الوَفاءِ، إلَّا ما حرَّمَه اللَّهُ ﷾، ورَسولُه ﷺ؛ فإنَّ المُسلِمينَ على شُروطِهم، إلَّا شَرطًا أحَلَّ حَرامًا، أو حرَّمَ حَلالًا، فلا يَحرُمُ مِنْ الشُّروطِ والعُقودِ إلَّا ما حرَّمَه اللَّهُ ﷾، ورَسولُه ﷺ؛ وليسَ مع المانِعِينَ نَصٌّ بالتَّحريمِ ألبتَّةَ؛ وإنَّما مَعَهم قِياسٌ قد عُلِمَ أنَّ بينَ الأصْلِ والفَرعِ فيه مِنْ الفَرقِ ما يَمنَعُ الإلحاقَ، وأنَّ القياسَ الذي مع مَنْ أجازَ ذلك أقرَبُ إلى مُساواةِ الفَرعِ لِأصْلِه، وهذا ما لا حِيلةَ فيه، وبِاللَّهِ التَّوفيقُ.