مُسلَّمٍ، وغَيرُ ثابِتٍ بالدَّليلِ، وغايةُ ما مَعَكم قِياسُ مَحَلِّ النِّزاعِ على إجارةِ الخُبزِ لِلأكلِ، والماءِ لِلشُّربِ، وهذا مِنْ أفسَدِ القِياسِ؛ فإنَّ الخُبزَ تَذهَبُ عَينُه ولا يُستَخلَفُ مِثلُه، بخِلافِ اللَّبنِ ونَقْعِ البِئرِ؛ فإنَّهما لَمَّا كانَا يُستَخلَفانِ ويَحدُثانِ شَيئًا فشَيئًا، كانَ بمَنزِلةِ المَنافِعِ.
يُوضِّحُه الوَجهُ الثَّاني: وهو أنَّ الثَمرَ يَجري مَجرَى المَنافِعِ والفَوائِدِ في الوَقفِ والعاريةِ ونَحوِها، فيَجوزُ أنْ يَقِفَ الشَّجرةَ لِيَنتفِعَ أهلُ الوَقفِ بثَمراتِها، كَما يَقِفُ الأرضَ لِيَنتفِعَ أهلُ الوَقفِ بِغَلَّتِها، ويَجوزَ إعارةُ الشَّجرةِ، كَما يَجوزُ إعارةُ الظَّهرِ وعاريةِ الدَّارِ ومَنيحةِ اللَّبنِ، وهذا كلُّه تَبَرُّعٌ بنَماءِ المالِ وفائِدَتِه؛ فإنَّ مَنْ دفعَ عَقارَه إلى مَنْ يَسكُنُه، فهو بمَنزِلةِ مَنْ دفعَ دابَّتَه إلى مَنْ يَركَبُها، وبِمَنزِلةِ مَنْ دفعَ شَجرةً إلى مَنْ يَستَثمِرُها، وبِمَنزِلةِ مَنْ دفعَ أرضَه إلى مَنْ يَزرَعُها، وبِمَنزِلةِ مَنْ دفعَ شاتَهُ إلى مَنْ يَشرَبُ لَبنَها؛ فهذه الفَوائِدُ تَدخُلُ في عُقودِ التَّبرُّعِ، سَواءٌ كانَ الأصْلُ مَحْبُوسًا بالوَقفِ، أو غيرَ مَحْبُوسٍ، ويَدخُلُ أيضًا في عُقودِ المُشارِكاتِ؛ فإنَّه إذا دفعَ شاةً أو بَقَرةً أو ناقةً إلى مَنْ يَعمَلُ عليها بجُزءٍ مِنْ دَرِّها ونَسلِها، صَحَّ على أصَحِّ الرِّوايَتَيْنِ عن أحمدَ، فكذلك يَدخُلُ في العُقودِ لِلإجاراتِ.
يُوضِّحُه الوَجهُ الثَّالث: وهو أنَّ الأعيانَ نَوعانِ: نَوعٌ لا يُستَخلَفُ شَيئًا فشَيئًا، بَلْ إذا ذَهَبَ ذَهَبَ جُملةً، ونَوعٌ يُستَخلَفُ شَيئًا فشَيئًا، كلَّما ذَهَبَ منه شَيءٌ خَلَفَه شَيءٌ مِثلُه؛ فهذا رُتبةٌ وُسطَى بينَ المَنافِعِ وبَينَ الأعيانِ التي لا تُستَخلَفُ؛ فيَنبَغي أنْ يُنظَرَ في شَبَهِهِ بأيِّ النَّوعَيْنِ، فيُلحَقَ به، ومَعلومٌ أنَّ شَبَهَه بالمَنافِعِ أقوَى؛ فإلحاقُه بها أَوْلَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute