وقالَ ابنُ القيِّمِ ﵀: وأمَّا إنْ أجَّرَه الشَّاةَ أوِ البَقَرةَ أوِ النَّاقةَ مدَّةً مَعلومةً؛ لِأخْذِ لَبنِها، في تلك المدَّةِ، فهذا لا يُجَوِّزُه الجُمهورُ، واختارَ شَيخُنا جَوازَه وحَكاه قَولًا لِبَعضِ أهلِ العِلمِ، ولَه فيها مُصَنَّفٌ مُفرَدٌ، قالَ: إذا استَأجَرَ غَنَمًا أو بَقَرًا أو نُوقًا أيَّامَ اللَّبنِ بأُجرةٍ مُسمَّاةٍ، وعَلَفُها على المالِكِ، أو بأُجرةٍ مُسمَّاةٍ، مع عَلَفِها، على أنْ يَأخُذَ اللَّبنَ، جازَ ذلك في أظهَرِ قَولَيِ العُلماءِ، كَما في الظِّئرِ، قالَ: وهذا يُشبِهُ البَيعَ ويُشبِهُ الإجارةَ، ولِهَذا يَذكُرُه بَعضُ الفُقهاءِ في البَيعِ، وبَعضُهم في الإجارةِ، لَكِنْ إذا كانَ اللَّبنُ يَحصُلُ بعَلفِ المُستَأجِرِ وقيامِه على الغَنَمِ، فإنَّه يُشبِهُ استِئجارَ الشَّجرِ، وإنْ كانَ المالِكُ هو الذي يَعلِفُها، وإنَّما يَأخُذُ المُشتَرِي لَبنًا مُقدَّرًا، فهذا بَيعٌ مَحضٌ، وإنْ كانَ يَأخُذُ اللَّبنَ مُطلَقًا فهو بَيعٌ أيضًا، فإنَّ صاحِبَ اللَّبنِ يُوَفِّيهِ اللَّبنَ بخِلافِ الظِّئرِ؛ فإنَّما هي تَسقي الطِّفلَ، وليسَ هذا داخِلًا فيما نُهِيَ عنه مِنْ بَيعِ الغَرَرِ؛ لأنَّ الغَرَرَ تَردُّدٌ بينَ الوُجودِ والعَدَمِ، فنُهيَ عن بَيعِه لأنَّه مِنْ جِنسِ القِمارِ الذي هو المَيْسِرُ، واللَّهُ ﷾ حرَّمَ ذلك؛ لِمَا فيه مِنْ أكْلِ المالِ بالباطِلِ، وذلك مِنْ الظُّلمِ الذي حرَّمَه اللَّهُ تَعالى، وهذا إنَّما يَكونُ قِمارًا إذا كانَ أحَدُ المُتعاوِضَيْنِ يَحصُلُ له مالٌ، والآخَرُ قد يَحصُلُ لَه، وقَد لا يَحصُلُ، فهذا الذي لا يَجوزُ، كَما في بَيعِ العَبدِ الآبِقِ، والبَعيرِ الشَّارِدِ، وبَيعِ حَبَلِ الحَبَلَةِ؛ فإنَّ البائِعَ يَأخُذُ مالَ المُشتَرِي، والمُشتَرِي قد يَحصُلُ له شَيءٌ، وقَد لا يَحصُلُ، ولا يُعرَفُ قَدْرُ الحاصِلِ، فأمَّا إذا كانَ شَيئًا مَعروفًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute