وَلأنَّ المُستَوفَى بعَقدِ الإجارةِ على زَرعِ الأرضِ هو عَينٌ مِنْ أعيانٍ، وهو ما يُحدِثُه مِنْ الحَبِّ بسَقْيِه وعَملِه، وكَذا مُستَأجِرُ الشَّاةِ لِلَبنِها، مَقصودُه ما يُحدِثُه اللَّهُ مِنْ لَبنِها بعَلَفِها، والقِيامِ عليها؛ فلا فَرقَ بَينَهما، والآفاتُ والمَوانِعُ التي تَعرِضُ لِلزَّرعِ أكثَرُ مِنْ آفاتِ اللَّبنِ، ولأنَّ الأصْلَ في العُقودِ الجَوازُ، والصِّحَّةُ.
قالَ شَيخُ الإسلامِ ﵀: وقولُ القائِلِ: الإجارةُ إنَّما تَكونُ على المَنافِعِ دونَ الأعيانِ، لَيسَ هو قَولًا لِلَّهِ ﷾، ولا لِرَسولِه ﷺ، ولا الصَّحابةِ ﵃ ولا الأئِمَّةِ ﵏؛ وإنَّما هو قَولٌ قالَتْه طائِفةٌ مِنْ النَّاسِ.
فَيُقالُ لِهَؤُلاءِ: لا نُسَلِّمُ أنَّ الإجارةَ لا تَكونُ إلَّا على المَنافِعِ فقَطْ، بَلْ الإجارةُ تَكونُ على ما يَتجدَّدُ ويَحدُثُ ويُستَخلَفُ بَدَلُه مع بَقاءِ العَينِ؛ كَمِياهِ البِئرِ وغَيرِ ذلك، سَواءٌ كانَ عَينًا أو مَنفَعةً، كَما أنَّ المَوقوفَ يَكونُ ما يَتجدَّدُ وما تَحدُثُ فائِدَتُه شَيئًا بعدَ شَيءٍ، سَواءٌ كانَتِ الفائِدةُ مَنفَعةً أو عَينًا؛ كالتَّمرِ واللَّبنِ والماءِ النَّابِعِ.
وَكذلك العاريةُ، وهو عَما يَكونُ الِانتِفاعُ بما يَحدُثُ ويُستَخلَفُ بَدَلُه، يُقالُ: أفقَرَ الظَّهرَ وأعْرَى النَّخلةَ ومَنحَ النَّاقةَ، فإذا مَنَحَه النَّاقةَ يَشرَبُ لَبنَها ثم يَرُدُّها، أو أعْرَاهُ نَخلةً يَأكُلُ ثَمرَها ثم يَرُدُّها، وهو مِثلُ أنْ يُفقِرَه ظَهرًا يَركَبُه ثم يَرُدُّه.
وَكذلك إكراءُ المَرأةِ أو طَيرٍ أو ناقةٍ أو بَقَرةٍ أو شاةٍ يَشرَبُ لَبنَها مدَّةً