للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومِن جِهةِ النَّظرِ فإنَّ فَرضَ الطَّهارةِ آكَدُ من فَرضِ الوَقتِ بدِلالةِ أنَّه لا تَجوزُ صَلاةٌ بغيرِ طَهارةٍ وهي جائِزةٌ مع فَواتِ الوَقتِ.

وذهَبَ الإمامُ مالِكٌ وزُفرُ من الحَنفيةِ -وهو أيضًا مَحكيٌّ عن أبي حَنيفةَ وأبي يُوسفَ ومُحمدٍ كما في «البَحر»؛ فإنَّ ابنَ نَجيمٍ قالَ: لكنْ ظَفِرتُ بأنَّ التَّيممَ لخَوفِ فَواتِ الوَقتِ رِوايةٌ عن مَشايخِنا ذكَرَها في «القُنية» - إلى أنَّ مَنْ خافَ فَواتَ الوَقتِ جازَ له التَّيممُ، وهذا القَولُ هو اختِيارُ شَيخِ الإِسلامِ ابنِ تَيميةَ ؛ فإنَّه قالَ: وأصَحُّ أَقوالِ العُلماءِ أنَّه يَتيممُ لكلِّ ما يُخافُ فَوتُه، كالجِنازةِ وصَلاةِ العيدِ، وغيرِها ممَّا يُخافُ فَوتُه؛ فإنَّ الصَّلاةَ بالتَّيممِ خَيرٌ من تَفويتِ الصَّلاةِ، كما أنَّ صَلاةَ التَّطوعِ بالتَّيممِ خَيرٌ من تَفويتِه، ولهذا يَتيممُ للتَّطوعِ مَنْ كانَ له وِردٌ في اللَّيلِ يُصليه، وقد أَصابَته الجَنابةُ، والماءُ بارِدٌ يَضرُّه، فإذا تَيممَ وصلَّى التَّطوعَ وقرَأَ القُرآنَ بالتَّيممِ كانَ خَيرًا من تَفويتِ ذلك (١).

قالَ في «الدُّر المُختار»: فالأحوَطُ أنْ يَتيممَ ويُصليَ ثم يُعيدَه.

قالَ ابنُ عابِدينَ: هذا قَولُ زُفرَ، قالَ إِبراهيمُ الحَلبيُّ … ولعلَّ هذا من هؤلاء المَشايخِ اختيارٌ لقَولِ زُفرَ لقُوةِ دَليلِه، وهو أنَّ التَّيممَ إنَّما شُرعَ إلى أداءِ الصَّلاةِ في الوَقتِ فيَتيممُ عندَ خَوفِ فَواتِه، قالَ شَيخُنا ابنُ الهُمامِ: إنَّ الفُقهاءَ رَدُّوا على زُفرَ ولم يَتوجَّهْ لهم عليه سِوى أنَّهم قالوا: إنَّ مَنْ أخَّرَ الصَّلاةَ إلى آخِرِ الوَقتِ كانَ مُقصِّرًا وتَقصيرُه جاءَ مِنْ قِبَلِه فلا يَستحقُّ التَّرخيصَ له بجَوازِ


(١) «مجموع الفتاوى» (٢١/ ٤٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>