وَعَرفَها ابنُ عَرفةَ ﵀ بقَولِهِ: بَيعُ مَنفَعةِ ما أمكَنَ نَقلُه غيرَ سَفينةٍ، ولا حَيَوانٍ لا يَعقِلُ، بعِوَضٍ غيرِ ناشِئٍ عَنها، بَعضُه يَتبَعَّضُ بتَبعيضِها.
فَقولُهُ: بَيعُ مَنفَعةٍ، أخرَجَ به بَيعَ الذَّواتِ، وقولُه: أمكَنَ نَقلُه، أخرَجَ به كِراءَ الدَّارِ والأرضِ؛ فالعَقدُ المُتعلِّقُ بمَنافِعِهِما لَيسَ بإجارةٍ، وإنَّما هو كِراءٌ، وقولُه: ولا حَيَوانٍ، أخرَجَ به كِراءَ الرَّواحِلِ، وقولُه: بِعِوَضِ جُزءٍ مِنْ أجزائِها، ثم وَصَفَه بأنَّه غيرُ ناشِئٍ عَنها، ليُخرِجَ القِراضَ والمُساقاةَ، والضَّميرُ في بَعضِه عائِدٌ على العِوَضِ، وفي تَبعيضِها عائِدٌ على المَنفَعةِ، وإنَّما زادَ لَفْظَةَ بَعضِه لِيَدخُلَ في الحَدِّ (١).
وقالَ الشافِعيَّةُ: الإجارةُ عَقدٌ على مَنفَعةٍ مَقصودةٍ مَعلومةٍ قابِلةٍ لِلبَذلِ والإباحةِ، بعِوَضٍ مَعلومٍ، مع بَقاءِ عَينِه مدَّةَ الإجارةِ.
وَقولُنا: «مَقصودةٍ» احتِرازٌ عن مَنفَعةٍ تافِهةٍ؛ كاستِئجارِ تُفَّاحةٍ ونَحوِها؛ لِلشَّمِّ، نَعَمْ، إذا كَثُرَ التُّفَّاحُ.
وَقولُنا: «مَعلومةٍ»، احتِرازٌ عن المَنفَعةِ المَجهولةِ؛ فإنَّها لا تَصحُّ لِلغَرَرِ؛ فلا بدَّ مِنْ العِلمِ بالمَنفَعةِ قَدْرًا ووَصْفًا.
وَقولُنا: «قابِلةٍ لِلبَذلِ والإباحةِ»، فيه احتِرازٌ عن استِئجارِ آلاتِ اللَّهوِ؛ كالطُّنبورِ، والمِزمارِ، والرَّبابِ، ونَحوِها؛ فإنَّ استِئجارَها حَرامٌ، ويَحرُمُ بَذْلُ الأُجرةِ في مُقابَلَتِها، ويَحرُمُ أخْذُ الأُجرةِ؛ لأنَّه مِنْ قَبيلِ أكْلِ أموالِ النَّاسِ بالباطِلِ، وكَذا لا يَجوزُ استِئجارُ المَغاني، ولا استِئجارُ شَخصٍ
(١) «المختصر الفقهي» (١٢/ ١٠٩)، و «مواهب الجليل» (٧/ ٣٧٨)، و «شرح مختصر خليل» (٧/ ٢).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute