للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنْ سَكَتَا عنه يَفسُدُ، عندَ أبي يُوسفَ، وعِندَ مُحمَّدٍ لا يَفسُدُ، ويَكونُ لِصاحِبِ البَذْرِ مِنهما، وذكرَ الطَّحاويُّ أنَّ مُحمَّدًا رَجعَ إلى قَولِ أبي يُوسفَ.

وَجْهُ قَولِ مُحمَّدٍ أنَّ ما يَستَحقُّه صاحِبُ البَذْرِ يَستَحقُّه ببَذْرِه، لا بالشَّرطِ، فكانَ شَرطُ التِّبنِ والسُّكوتُ عنه بمَنزِلةٍ واحِدةٍ.

وَجْهُ قَولِ أبي يُوسفَ أنَّ كلَّ واحِدٍ مِنهما -أعني الحَبَّ والتِّبنَ- مَقصودٌ مِنْ العَقدِ؛ فكانَ السُّكوتُ عن التِّبنِ بمَنزِلةِ السُّكوتِ عن الحَبِّ، وذا مُفسِدٌ بالإجماعِ، فكَذا هَذا.

وقالَ مَشايِخُ بَلْخَ: التِّبنُ بَينَهما أيضًا اعتِبارًا لِلعُرفِ فيما لَم يَنُصَّ عليه المُتعاقدانِ؛ ولأنَّه تَبَعٌ لِلحَبِّ، والتَّبَعُ يَقومُ بشَرطِ الأصْلِ.

والوَجْهُ الثَّاني: أنْ يَشرُطا أنْ يَكونَ لِأحَدِهِما دونَ الآخَرِ؛ فإنْ شَرَطاه لِصاحِبِ البَذْرِ جازَ، ويَكونُ لَه؛ لأنَّ صاحِبَ البَذْرِ يَستَحقُّه مِنْ غيرِ شَرطٍ؛ لِكَونِه نَماءَ مِلْكِه؛ فالشَّرطُ لا يَزيدُه إلَّا تَأكيدًا.

الوَجْهُ الثَّالث: أنْ يَشرُطَا التِّبنَ ونَحوَه لِمَنْ لا بَذْرَ لَه، فتَفسُدَ المُزارَعةُ؛ لأنَّ استِحقاقَ صاحِبِ البَذْرِ التِّبنَ بالبَذْرِ، لا بالشَّرطِ؛ لأنَّه نَماءُ مِلْكِه، ونَماءُ مِلْكِ الإنسانِ مِلْكُه؛ فصارَ شَرطُ كَونِ التِّبنِ لِمَنْ لا بَذْرَ مِنْ قِبَلِه بمَنزِلةِ شَرطِ كَوْنِ الحَبِّ لَه، وذا مُفسِدٌ، كَذا هَذا.

وَلأنَّ هذا الشَّرطَ يُؤدِّي إلى قَطْعِ الشَّرِكةِ إذا لَم يَخرُجْ إلَّا التِّبنُ، لأنَّ استِحقاقَ غيرِ صاحِبِ البَذْرِ إنَّما هو بالشَّرطِ (١).


(١) «بدائع الصنائع» (٦/ ١٨١)، و «مختصر اختلاف العلماء» (٤/ ٢٥، ٢٦)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ٢٥٣)، و «مجمع الأنهر» (٤/ ١٤١)، و «الدر المختار» (٦/ ٢٧٧)، و «الهندية» (٥/ ٢٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>