للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإذا بُذِرَ بَعضٌ فلا يَلزَمُ العَقدُ إلَّا فيما بُذِرَ، ولِكُلٍّ الفَسخُ فيما بَقيَ.

وَذَهَبَ سُحنونُ وابنُ الماجِشونِ وابنُ كِنانةَ وابنُ القاسِمِ في كِتابِ ابنِ سُحنونَ إلى أنَّها تَلزَمُ بالعَقدِ؛ تَغليبًا لِجانِبِ الإجارةِ؛ لأنَّها دائِرةٌ بينَ الشَّرِكةِ والإجارةِ.

وَإنَّما وقعَ هذا الِاختِلافُ في المُزارَعةِ لأنَّها شَرِكةُ عَملٍ، وإجارةُ كلِّ واحِدةٍ مِنهما مُفْضِيةٌ لِلأُخرَى بكُليَتهِما، لا فَضلَ فيها عَنهُما، فاختُلِفَ أيُّهما يُغَلَّبُ، فمَن غَلَب الشَّرِكةَ لَم يَرَها بالعَقدِ لَازِمةً؛ لأنَّ شَرِكةَ العَملِ لا تَلزَمُ إلَّا بالعَملِ، ولا أجازَها إلَّا على التَّكافي والِاعتِدالِ، إلَّا أنْ يَتطَوَّعَ أحَدُهما بما لا فَضلَ لِكِرائِه.

وَمَنْ غَلَب الإجارةَ ألزَمها بالعَقدِ، فأجازَ التَّفاضُلَ بَينَهما، ولَم يُراعِ التَّكافُؤَ.

وَفي المَسألةِ قَولٌ ثالِثٌ جَرَى به العَملُ والفُتْيَا بقُرطُبةَ والأندَلُسِ: أنَّها تَلزَمُ بالعَقدِ إذا انضَمَّ إليه عَملٌ، فإذا لَم يُشرَعْ في العَملِ لا تَلزَمُ، قالَ ابنُ رُشدٍ: وهو قَولٌ يُروَى عن ابنِ كِنانةَ، وليسَ بقِياسٍ، وإنَّما هو استِحسانٌ؛ إذْ لا يَخرُجُ عن القوليْنِ في كِلتا الحالَتَيْنِ، ويُشبِهُ رِوايةَ عَلِيِّ بنِ زِيادٍ عن مالِكٍ في أنَّ الجاعِلَ يَلزَمُه الجُعلُ بشُروعِ المَجهولِ له في العَملِ (١).


(١) «البيان والتحصيل» (١٥/ ٣٩٥، ٣٩٦)، و «المعونة» (٢/ ١٣٨)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٥/ ٤٣)، و «تحبير المختصر» (٤/ ٢٧٢)، و «شرح مختصر خليل» (٦/ ٦٣)، و «مواهب الجليل» (٧/ ١٢٨)، و «التاج والإكليل» (٤/ ١٨٦)، و «حاشية الصاوي مع الشرح الصغير» (٨/ ٥٠)، و «منح الجليل» (٣/ ٣٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>