الشُّروعُ فيه مُلزِمًا في حَقِّه؛ إذِ الإنسانُ لا يُجبَرُ على إتلافِ مِلْكِه، وكذلك مَنْ لَيسَ البَذْرُ مِنْ قِبَلِه؛ لأنَّه لَيسَ في لُزومِ المَعنَى إيَّاهم إتلافُ مِلْكِه؛ فكانَ الشُّروعُ في حَقِّه مُلزِمًا، ولا يَنفَسِخُ إلَّا مِنْ عُذرٍ، كَما في سائِرِ الإجاراتِ، وسَواءٌ كانَ المُزارِعُ كَرَبَ الأرضَ أو لَم يَكْرُبْها؛ لأنَّ ما ذَكَرْنا مِنْ المَعنَى لا يُوجِبُ الفَصلَ بَينَهما، ولا شَيءَ لِلعاملِ في عَملِ الكِرابِ، هَكَذا في البَدائِعِ.
وَلَو ألقَى البَذْرَ في الأرضِ تَصيرُ لَازِمةً مِنْ الجانبيْنِ، حتى لا يَملِكَ أحَدُهما الفَسخَ بعدَ ذلك إلَّا بعُذْرٍ.
عَنْ أبي يُوسفَ ﵀: إذا كانَ البَذْرُ مِنْ قِبَلِ ربِّ الأرضِ، ودفعَه إلى المُزارَعِ فليسَ لِواحِدٍ مِنهما أنْ يُبطِلَ المُزارَعةَ؛ فإنْ لَم يَدفَعِ البَذْرَ إلى المُزارَعِ فلربِّ الأرضِ أنْ يُبطِلَها، وليسَ لِلمُزارَعِ أنْ يُبطِلَها (١).
وأمَّا المالِكيَّةُ فالمَشهورُ في المَذهبِ، وهو قولُ ابنِ القاسِمِ: أنَّ المُزارَعةَ لا تَلزَمُ بالعَقدِ، وهو الصِّيغةُ، فيَجوزُ لِكُلٍّ مِنْ المُتعاقدَيْنِ فَسخُ عَقدِ المُزارَعةِ إذا لَم يَبْذُرْ ويَطرَحِ الحَبُّ في الأرضِ، فلا تَلزَمُ بالعَقدِ، ولا بالعَملِ قبلَ البَذْرِ، ولَو كَثُرَ، كَحَرثٍ، وتَسويةِ أرضٍ، وإجراءِ ماءٍ عليها، على الأرجَحِ، وتَلزَمُ بالبَذْرِ، وإنْ لَم يَتقدَّمْه عَملٌ.
وَإنَّما لَم تَلزَمْ بالعَقدِ، كَشَرِكةِ المالِ؛ لأنَّه قد قيلَ بمَنْعِها، فضَعُفَ أمْرُها؛ فاحتِيجَ في لُزومِها لِأمْرٍ قَويٍّ، وهو البَذْرُ.
(١) «بدائع الصنائع» (٦/ ١٨٢)، و «تبيين الحقائق مع حاشية الشلبي» (٥/ ٢٧٩)، و «الهندية» (٥/ ٢٣٧)، و «لسان الحكام» (٤٠٥).