للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«نَهَى رَسولُ اللَّهِ عن كِراءِ المَزَارِعِ، قالَ: قُلتُ: بِالذَّهَبِ والفِضَّةِ؟ قالَ: لا، إنَّما نَهَى عنه بِبَعْضِ ما يَخْرُجُ منها، فأَمَّا بِالذَّهَبِ والفِضَّةِ فلَا بأْسَ بهِ» (١)، وَلأنَّ الكَتَّانَ والقُطنَ وغَيرَهما ممَّا تُنبِتُه الأرضُ، فأشبَهَ إذا اشترَطا الثُّلُثَ أو الرُّبُعَ، وأمَّا القَصَبُ والخَشَبُ فإنَّهما لَيسَا ممَّا يُزرَعُ أو يُقصَدُ كِراؤُه لِزَرعِه، فجازَ.

الشَّرطُ الثَّاني: يُقابِلُها مُساوٍ: يَعني أنَّ الأرضَ إذا قابَلَها ما يُساويها مِنْ غيرِ البَذْرِ فإنَّ الشَّرِكةَ تَكونُ صَحيحةً، والمُرادُ أنْ يُقابِلَها مُساوٍ على قَدْرِ الرِّبحِ الواقِعِ بَينَهما، فعلى هذا لَو كانَتْ أُجرةُ الأرضِ مِئةً، والبَقَرِ والعَملِ خَمسينَ، ودخلَا على أنَّ لربِّ الأرضِ الثُّلُثيْنِ ولربِّ البَقَرِ والعَملِ الثُّلُثَ، جازَ، وإنْ دخلَا على النِّصفِ لَم يَجُزْ؛ لأنَّه سَلَفٌ، وإنْ كانَ الأمْرُ بالعَكسِ ودخلَا على أنَّ لربِّ البَقَرِ والعَملِ الثُّلُثيْنِ، ولربِّ الأرضِ الثُّلُثَ، جازَ، وإنْ دخلَا على النِّصفِ فَسَدَ؛ لأنَّه سَلَفٌ.

وإنْ كانَتْ أُجرةُ الأرضِ خَمسينَ، والبَقَرِ والعَملِ خَمسينَ، ودخلَا على الثُّلُثِ والثُّلُثيْنِ، فَسَدَ؛ فالمُرادُ بالتَّساوي أنْ يَكونَ الرِّبحُ مُطابِقًا لِلمُخرَجِ؛ فلا بدَّ أنْ يَستَويا في الخارِجِ والمُخرَجِ جَميعًا، وليسَ المُرادُ بالتَّساوي أنْ يَكونَ لِكُلٍّ مِنهما النِّصفُ.

فَإنْ كانَ المُخرَجُ مِنهما مُتساويًا فلا بدَّ أنْ يَكونَ الرِّبحُ مُناصَفةً، وإنْ كانَ الخارِجُ مِنْ أحَدِهِما أكثَرَ مِنْ الخارِجِ مِنْ الآخَرِ، فلا بدَّ أنْ يَكونَ له مِنْ الرِّبحِ بقَدْرِ ما أُخرِجَ، وإلَّا فَسَدَتْ، كَما إذا تَساوَيا في جَميعِ ما أخرَجاه


(١) رواه الإمام أحمد في «المسند» (١٧٢٩٧)، والبيهقي في «الكبرى» (١١٤٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>