للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المُختارُ؛ لِحَديثِ خَيبَرَ، ولا يُقبَلُ دَعوَى كَوْنِ المُزارَعةِ في خَيبَرَ، إنَّما جازَتْ تَبَعًا لِلمُساقاةِ، بَلْ جازَتْ مُستقِلَّةً؛ ولأنَّ المَعنَى المُجَوِّزَ لِلمُساقاةِ مَوجودٌ في المُزارَعةِ؛ قِياسًا على القِراضِ؛ فإنَّه جائِزٌ بالإجماعِ، وهو كالمُزارَعةِ في كلِّ شَيءٍ، ولأنَّ المُسلِمينَ في جَميعِ الأمصارِ والأعصارِ مُستَمِرُّونَ على العَملِ بالمُزارَعةِ، وأمَّا الأحاديثُ السَّابِقةُ في النَّهيِ عن المُخابَرةِ فسَبَقَ الجَوابُ عَنها، وأنَّها مَحمولةٌ على ما إذا شَرَطا لكلِّ واحِدٍ قِطعةً مُعيَّنةً مِنْ الأرضِ، وقَد صَنَّفَ ابنُ خُزَيمةَ كِتابًا في جَوازِ المُزارَعةِ، واستَقصَى فيه وأجادَ وأجابَ عن الأحاديثِ بالنَّهيِ، واللَّهُ أعلمُ (١).

قالَ شَيخُ الإسلامِ : ومَن أعطَى النَّظَرَ حَقَّهُ عَلِمَ أنَّ المُزارَعةَ أبعَدُ عن الظُّلمِ والقِمارِ مِنْ الإجارةِ بأُجرةٍ مُسمَّاةٍ مَضمونةٍ في الذِّمةِ، فإنَّ المُستَأجِرَ إنَّما يَقصِدُ الِانتِفاعَ بالزَّرعِ النَّابِتِ في الأرضِ، فإذا وجبَ عليه الأُجرةُ، ومَقصودُه مِنْ الزَّرعِ قد يَحصُلُ، وقَد لا يَحصُلُ، كانَ في هذا حُصولُ أحَدِ المُتعاوِضَيْنِ على مَقصودِه دونَ الآخَرِ؛ فأحَدُهما غانِمٌ، ولا بدَّ، والآخَرُ مُتردِّدٌ بينَ المَغنَمِ والمَغرَمِ.

وأمَّا المُزارَعةُ؛ فإنْ حَصَلَ الزَّرعُ اشترَكا فيه، وإنْ لَم يَحصُلْ شَيءٌ اشترَكا في الحِرمانِ؛ فلا يُختَصُّ أحَدُهما بحُصولِ مَقصودِه دونَ الآخَرِ، فهذا أقرَبُ إلى العَدلِ وأبعَدُ عن الظُّلمِ والغَرَرِ مِنْ الإجارةِ (٢).


(١) «شرح صحيح مسلم» (١٠/ ٢١٠، ٢١١).
(٢) «مجموع الفتاوى» (١٠/ ٥٠٩، ٥١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>