للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإنَّما سَمَّى ذلك مُصيبةً لَهم لأنَّ اكتِسابَهم كانَ بطَريقِ المُزارَعةِ، وكانوا قد تَعارَفوا ذلك، وكانَ يَشُقُّ عليهم تَركُها.

وأمَّا المَعقولُ فهو أنَّ الِاستِئجارَ ببَعضِ الخارِجِ مِنْ النِّصفِ والثُّلُثِ والرُّبُعِ ونَحوِه استِئجارٌ ببَدَلٍ مَجهولٍ، وأنَّه لا يَجوزُ، كَما إذا استَأجَرَه أنْ يَرعَى غَنَمَه ببَعضِ الخارِجِ مَنه، وبه تَبيَّنَ أنَّ حَديثَ خَيبَرَ مَحمولٌ على الجِزيةِ دونَ المُزارَعةِ؛ صِيانةً لِدَلائِلِ الشَّرعِ عن التَّناقُضِ، والدَّليلُ على أنَّه لا يُمكِنُ حَملُه على المُزارَعةِ أنَّه قالَ فيهِ: «أُقِرُّكُمْ ما أقَرَّكُمُ اللهُ بهِ» (١). وهذا منه تَجهيلُ المدَّةِ، وجَهالةُ المدَّةِ تَمنَعُ صِحَّةَ المُزارَعةِ بلا خِلافٍ، بَقيَ تَركُ الإنكارِ على التَّعامُلِ، وذا يَحتَمِلُ أنْ يَكونَ لِلجَوازِ، ويَحتَمِلُ أنْ يَكونَ لِكَونِه مَحَلَّ الِاجتِهادِ؛ فلا يَدلُّ على الجَوازِ مع الِاحتِمالِ (٢).

وسِرُّ النَّهيِ عن المُزارَعةِ أنَّ تَحصيلَ مَنفَعةِ الأرضِ مُمكِنٌ بالإجارةِ فلَم يَجُزِ العَملُ عليها ببَعضِ ما يَخرُجُ منها؛ كالمَواشي، بخِلافِ الشَّجرِ؛ فإنَّه لا يُمكِنُ عَقدُ الإجارةِ عليه؛ فجُوِّزتِ المُساقاةُ لِلحاجةِ (٣).


(١) رواه البخاري مُعَلَّقًا (٣/ ١١٥٥) باب إخراج اليهود من جزيرة العرب، وقال عمر عن النَّبِيِّ : «أُقِرُّكم ما أَقَرَّكُمُ اللهُ به».
(٢) «بدائع الصنائع» (٦/ ١٧٥، ١٧٦)، و «المبسوط» (٢٣/ ١١، ١٢)، و «الهداية» (٤/ ٥٣)، و «الاختيار» (٣/ ٩٣)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ٢٤٨)، و «اللباب» (٢/ ٥)، و «مختصر الوقاية» (٢/ ١٩٤).
(٣) «مغني المحتاج» (٣/ ٣٦٤)، و «نهاية المحتاج» (٥/ ٢٨٢)، و «النجم الوهاج» (٥/ ٢٩٤، ٢٩٦)، و «الديباج» (٢/ ٤٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>