للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

منه؟! فمِثلُ هذا لا يَقصُرُ عن رُتبةِ الإجماعِ.

فهذا أمْرٌ صَحيحٌ مَشهورٌ عَمِلَ به رَسولُ اللهِ حتى ماتَ، ثم خُلفاؤُه الرَّاشِدونَ، حتى ماتوا، ثم أهلُوهُم مِنْ بَعدِهم، ولَم يَبْقَ بالمَدينةِ أهلُ بَيتٍ إلا عَمِلَ به؛ فلم يُنكِرْه مُنكِرٌ؛ فكانَ إجماعًا.

وقد عَمِلَ به أزواجُ رَسولِ اللهِ مِنْ بَعدِه، فرَوَى البُخاريُّ عن ابنِ عُمرَ : «أنَّ النَّبِيَّ عامَلَ خَيبَرَ بِشَطرِ ما يَخرُجُ منها مِنْ ثَمرٍ أو زَرعٍ، فكَانَ يُعطِي أَزوَاجَهُ مِئةَ وَسقٍ، ثمَانينَ وَسقَ تَمرٍ، وَعِشرينَ وَسقَ شعِيرٍ، فقَسَمَ عُمرُ خَيبَرَ، فخَيَّرَ أَزوَاجَ النَّبِيِّ أنْ يُقطِعَ لهُنَّ مِنْ المَاءِ وَالأَرْضِ أو يُمضِيَ لهُنَّ، فَمِنهنَّ مَنِ اختَارَ الأَرْضَ، وَمِنهنَّ مَنِ اختَارَ الوَسْقَ، وكَانَتْ عائِشَةُ وحَفْصَةُ مِمَّنِ اخْتارَتَا الأرضَ والمَاءَ» (١).

وَمِثلُ هذا لا يَجوزُ أنْ يُنسَخَ؛ لأنَّ النَّسخَ إنَّما يَكونُ في حَياةِ رَسولِ اللَّهِ ، فأمَّا شَيءٌ عَمِلَ به إلى أنْ ماتَ، ثم عَمِلَ به خُلَفاؤُه بَعدَه، وأجمَعَتِ الصَّحابةُ رِضوانُ اللَّهِ عليهم عليه، وعَمِلوا به، ولَم يُخالِفْ فيه مِنهم، فكَيفَ يَجوزُ نَسْخُه؟ ومتى كانَ نَسخُه؟ فإنْ كانَ نُسِخَ في حَياةِ رَسولِ اللَّهِ فكَيفَ عُمِلَ به بعدَ نَسخِه؟ وكَيفَ خَفِيَ نَسخُه فلَم يَبلُغْ خُلَفاءَه، مع اشتِهارِ قِصَّةِ خَيبَرَ، وعَملِهم فيها؟ فأينَ كانَ راوي النَّسخِ حتى لَم يَذْكُرْه، ولَم يُخبِرْهم بهِ (٢).


(١) رواه البخاري (٢٢٠٣)، ومسلم (١٥٥١).
(٢) يُنْظر: «بدائع الصنائع» (٦/ ١٧٥، ١٧٦)، و «الهداية» (٤/ ٥٣)، و «الاختيار» (٣/ ٩٣) و «الجوهرة النيرة» (٤/ ٢٤٨)، و «اللباب» (٢/ ٥٨)، و «مختصر الوقاية» (٢/ ١٩٤)، و «مواهب الجليل» (٧/ ١٢٧)، و «التاج والإكليل» (٤/ ١٨٦)، و «الشرح الكبير» (٥/ ٤٣)، و «حاشية الصاوي على الشرح الصغير» (٨/ ٤٨)، و «شرح صحيح مسلم» (١٠/ ٢١٠، ٢١١)، و «المغني» (٥/ ٢٤٢)، و «كشاف القناع» (٣/ ٦٢٤)، و «شرح منتهى الإرادات» (٣/ ٦٠٢)، و «مطالب أولي النهى» (٣/ ٥٥٧)، و «مجموع الفتاوى» (٢٩، ٩٦)، و «إعلام الموقعين» (٢/ ٣٨٥)، و «فتح الباري» (٥/ ١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>