للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه بالمُخالفةِ، إذ هو مَغرورٌ مِنْ جِهتِه كمُودَعِ الغاصِبِ، وصَحَّت المُضاربةُ بينَهما؛ لأنَّه لَمَّا كان قَرارُ الضَّمانِ عليه مَلَك المَدفوعَ مُستَنِدًا إلى وَقتِ التَّعدِّي فيَتبيَّنُ أنه دفَع مُضاربةً مِلكَ نَفْسِه، ويَكونُ الرِّبحُ بينَهما على ما شرَطا لِصِحَّةِ المُضاربةِ، ويَطيبُ لِلآخَرِ ما رَبِح؛ لأنَّه يَستحِقُّه بالعَملِ، ولا خُبثَ في عَملِه، ولا يَطيبُ لِلأولِ؛ لأنَّه يَستحِقُّه برأسِ المالِ، ومِلكُه فيه ثبَت مُستَنِدًا فلا يَخلو عن شُبهةٍ، فيَكونُ سَبيلُه التَّصدُّقَ، هذا إذا كانتِ المُضارَبتانِ صَحيحَتَيْن.

وأمَّا إذا كانت إحداهما فاسِدةً، أو كِلتاهما فلا ضَمانَ على واحدةٍ منهما؛ لأنَّه إنْ كانت الأُخرى هي الفاسِدةَ صار أجيرًا على ما بَيَّنَّا، ولِلأولِ أنْ يَستأجرَ مَنْ يَعمَلُ في المالِ، وإنْ كانت هي الأُولى فكذلك؛ لأنَّ فَسادَها يُوجِبُ فَسادَ الأُخرى؛ لأنَّ الأُولى لَمَّا فسَدت صارَت إجارةً، وصارَ الرِّبحُ كلُّه لرَبِّ المالِ، ولو صَحَّت الأُخرى في هذه الحالةِ لَصارَ الآخَرُ شَريكًا، وليس لِلأجيرِ أنْ يُشرِكَ غَيرَه، بل المُضارِبُ لا يَملِكُ ذلك، فكانت فاسِدةً بالضَّرورةِ، وكانا أجيرَيْن، وكذا إذا كانتا فاسدتَيْن؛ فإذا كانا أجيرَيْن لا يَضمَنُ واحِدٌ منهما، ولا يُقالُ: الأجيرُ ليس له أنْ يَستأجِرَ لِلعَملِ فكيف جازَ هنا لِلمُضارِبِ الأولِ أنْ يَستأجِرَ بعدَما فَسَدت الأُولى، وهو أجيرٌ فيها؛ لأنَّا نَقولُ: الفاسِدُ مِنَ العُقودِ مُعتَبَرٌ بالصَّحيحِ منها، فلَمَّا كان له أنْ يَستأجرَ في المُضاربةِ الصَّحيحةِ كان له أنْ يَستأجرَ في الفاسِدةِ أيضًا (١).


(١) «بدائع الصانع» (٦/ ٦٥، ٩٦)، و «العناية شرح الهداية» (١٢/ ١٣٩)، و «الجوهرة النيرة» (٣/ ٤٤٧، ٤٤٨)، و «تبيين الحقائق» (٥/ ٦٣، ٦٤)، و «مجمع الأنهر» (٣/ ٤٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>