وكذلك إذا قال:«خُذْ هذا المالَ بالتَّصرُّفِ بالكُوفةِ؛ لأنَّ الباءَ حَرفُ إلصاقٍ فتَقتَضي التِصاقَ الصِّفةِ بالمَوصوفِ، وهذا يَمنَعُ جَوازَ التَّصرُّفِ في غَيرِها.
ولو قال: «خُذْ هذا المالَ مُضاربةً واعمَلْ به في الكُوفةِ»، فلَه أنْ يَعمَلَ بالكوفةِ، وحيثما بدا له؛ لأنَّ قَولَه:«خُذْ هذا المالَ مُضاربةً»، إذنٌ له في التَّصرُّفِ مُطلَقًا، وقَولَه:«واعمَلْ به في الكوفةِ»، إذْنٌ له بالعَملِ في الكوفةِ، فكان له أنْ يَعملَ في أيِّ مَوضعٍ شاءَ، كمَن قال لِغَيرِه:«أعتِقْ عَبدًا مِنْ عَبيدي»، ثم قال له:«أعتِقْ عَبدي سالِمًا»، فله أنْ يُعتِقَ أيَّ عَبدٍ شاءَ، وألَّا يَتقيَّدَ التَّوكيلُ بإعتاقِ سالِمٍ، كذا هذا؛ إذِ المُضاربةُ تَوكيلٌ بالشِّراءِ والبَيعِ.
ولو قال: خُذْ هذا المالَ مُضاربةً بالنِّصفِ على أنْ تَشتريَ به الطَّعامَ، أو قال: فاشتَرِ به الطَّعامَ، أو قال: تَشتَري به الطَّعامَ، أو قال:«خُذْ هذا المالَ مُضاربةً بالنِّصفِ في الطَّعامِ»، فذلك كلُّه سَواءٌ، وليس له أنْ يَشتريَ سِوى الطَّعامِ بالإجماعِ؛ لِما ذكَرنا «على أنَّ» لِلشَّرطِ، والأصلُ في الشَّرطِ المَذكورِ في الكَلامِ اعتبارُه، والفاءُ لِتَعليقِ ما قَبلَها بما بعدَها.
وقَولُه:«يَشتَري به الطَّعامَ»، تَفسيرُ التَّصرُّفِ المأذونِ به، وقَولُه:«في الطَّعامِ»، «في» كَلمةُ ظَرفٍ؛ فإذا دخَلت على ما لا يَصلُحُ ظَرفًا تَصيرُ بمَعنى الشَّرطِ، وكلُّ ذلك يَقتَضي التَّقييدَ بالشَّرطِ المَذكورِ، وأنَّه شَرطٌ مُفيدٌ؛ لأنَّ بَعضَ أنواعِ التِّجارةِ يَكونُ أقرَبَ إلى المَقصودِ مِنْ بَعضٍ، وكذا الناسُ مُختلِفون في ذلك، فقد يَهتَدي الإنسانُ إلى بَعضِ التِّجارةِ دونَ بَعضٍ، فكان الشَّرطُ مُفيدًا فيَتقيَّدُ به ولا يَملِكُ أنْ يَشتريَ غَيرَ الطَّعامِ، والطَّعامُ هو الحِنطةُ