للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأصلُ فيه أنَّ القَيدَ إنْ كان مُفيدًا يَثبُتُ؛ لأنَّ الأصلَ في الشُّروطِ اعتبارُها ما أمكَنَ، وإذا كان القَيدُ مُفيدًا كان يُمكِنُ الاعتبارُ، ويُعتبَرُ لِقَولِ النَّبيِّ : «المُسلِمونَ عِنْدَ شُروطِهم»، ويَتقيَّدُ بالمَذكورِ، ويَبقى مُطلَقًا فيما وَراءَه على الأصلِ المَعهودِ في المُطلقِ، إذا قُيِّد ببَعضِ المَذكورِ، يَبقى مُطلَقًا فيما وَراءَه، كالعامِّ إذا خُصَّ منه بَعضُه يَبقى عامًّا فيما وَراءَه، وإنْ لَم يَكُنْ مُفيدًا لا يَثبُتُ، بل يَبقى مُطلَقًا؛ لأنَّ ما لا فائِدةَ فيه يُلغَى ويَلحَقُ بالعَدمِ، فإذا عَرَفنا هذا نَقولُ:

إذا دفَع رَجلٌ إلى رَجلٍ مالًا مُضاربةً على أنْ يَعملَ به في الكُوفةِ فليس له أنْ يَعملَ في غَيرِ الكُوفةِ؛ لأنَّ قَولَه: «على أنْ» مِنْ ألفاظِ الشَّرطِ، وهو شَرطٌ مُفيدٌ؛ لأنَّ الأماكِنَ تَختلِفُ بالرُّخصِ والغَلاءِ، وكذا في السَّفرِ خَطرٌ، فيُعتبَرُ، وحَقيقةُ الفِقهِ في ذلك أنَّ الإذنَ كان عَدمًا؛ وإنَّما يَحدُثُ بالعَقدِ، فيَبقى فيما وَراءَ ما تَناوَله العَقدُ على أصلِ العَدمِ.

وكذا لا يُعطيها بِضاعةً لِمَنْ يَخرجُ بها مِنَ الكُوفةِ؛ لأنَّه إذا لَم يَملِكِ الإخراجَ بنَفْسِه فلَأنْ يَكونَ لا يَملِكُ الأمرَ بذلك أوْلى، وإنْ أخرَجها مِنَ الكُوفةِ؛ فإنِ اشتَرى بها وباعَ ضمِن؛ لأنَّه تَصرُّفٌ لا على الوَجهِ المَأذونِ، فصارَ فيه مُخالِفًا فيَضمَنُ، وكأنَّ المُشتَري لِنَفْسِه له رِبحُه وعليه وَضيعَتُه، لكنْ لا يَطيبُ له الرِّبحُ عندَ مُحمدٍ وأبي حَنيفةَ، وعندَ أبي يُوسُفَ يَطيبُ، وإنْ لَم يَشتَرِ بها شَيئًا حتى رَدَّها إلى الكُوفةِ بَرئَ مِنَ الضَّمانِ ورجَع المالُ مُضاربةً على حالِه؛ لأنَّه عاد إلى الوِفاقِ قبلَ تَقرُّرِ الخِلافِ فيُبرأُ عن الضَّمانِ كالمُودَعِ إذا خالَف ثم عادَ إلى الوِفاقِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>