وعلى هذا تَعاملَ الناسُ مِنْ لَدُنْ رَسولِ اللهِ ﷺ إلى يَومِنا هذا في سائِرِ الأعصارِ مِنْ غَيرِ إنكارٍ مِنْ أحَدٍ.
وإجماعُ أهلِ كلِّ عَصرٍ حُجَّةٌ فتُرِكَ به القياسُ، ونَوعٌ مِنَ القياسِ يَدلُّ على الجَوازِ أيضًا، وهو أنَّ الناسَ يَحتاجونَ إلى عَقدِ المُضاربةِ؛ لأنَّ الإنسانَ قد يَكونُ له مالٌ لكنَّه لا يَهتَدي إلى التِّجارةِ، وقد يَهتَدي إلى التِّجارةِ لكنَّه لا مالَ له، فكان في شَرعِ هذا العَقدِ دَفعُ الحاجتَيْن، واللهُ ﷾ ما شرَع العُقودَ إلا لِمَصالحِ العِبادِ ودَفعِ حَوائِجِهم (١).
واستدلَّ العُلماءُ أيضًا بما رَواه مالِكٌ والشَّافِعيُّ عن زَيدِ بنِ أسلَمَ عن أبيه أنَّه قال: «خرَجَ عَبدُ اللهِ وعُبَيْدُ اللهِ ابْنا عُمَرَ بنِ الْخَطَّابِ في جَيْشٍ إلى الْعِراقِ، فلَمَّا قَفَلا مَرَّا على أبي مُوسى الأشْعَرِيِّ وهو أمِيرُ الْبَصْرَةِ فرَحَّبَ بِهِما وسَهَّلَ، ثمَّ قال: لو أقدَرُ لَكُمَا على أمْرٍ أنفَعُكُما بهِ لَفَعَلْتُ، ثمَّ قال: بَلَى، ههنا مالٌ مِنْ مالِ اللهِ أُرِيدُ أنْ أبعَثَ بهِ إلى أمِيرِ الْمؤْمِنِينَ فأُسْلِفُكُمَاهُ فتَبْتَاعَانِ بهِ مَتَاعًا مِنْ مَتَاعِ الْعِراقِ، ثمَّ تَبِيعَانِهِ بِالْمدِينَةِ فتُؤَدِّيَانِ رأْسَ الْمالِ