واختَلفوا هل يَجوزُ لأحَدِ الشَّريكَيْن أنْ يُسافِرَ بمالِ الشَّركةِ بدونِ إذنِ الآخَرِ أو لا يَجوزُ؟
فذهَب الإمامُ أبو حَنيفةَ في الصَّحيحِ عنه ومُحمدُ بنُ الحَسَنِ -وهو قَولُ المالِكيَّةِ في شَركةِ المُفاوضةِ- والحَنابِلةُ -كما سيأتي مُفصَّلًا- إلى أنَّه يَجوزُ لِأحدِ شَريكَيِ العِنانِ أنْ يُسافِرَ بمالِ الشَّركةِ بغَيرِ إذنِ الآخَرِ، أي أنَّه إذا أرادَ السَّفرَ فله أخْذُ مالِ الشَّركةِ في صُحبتِه سَواءٌ كان هذا المالُ مُحتاجًا لِلحَملِ والمُؤنةِ أو لا يَحتاجُ، والتُّجارُ يَعُدُّون المُؤنةَ ومَصارِفَ النَّقلِ مُلحَقةً برأسِ المالِ، ولا يَعُدُّونها مِنْ بابِ الغَرامةِ، ووَجهُه أنَّ الإذنَ بالتَّصرُّفِ ثبَت بمُقتَضى الشَّركةِ؛ لأنَّها صدَرت مُطلَقةً عن المَكانِ، والمُطلقُ يَجري على إطلاقِه إلا لِدَليلٍ، ولِهذا جازَ لِلمُودَعِ أنْ يُسافِرَ على أنَّه في مَعنى المُودَعِ؛ لأنَّه مُؤتمَنٌ في مالِ الشَّركةِ كالمُودَعِ في مالِ الوَديعةِ مع ما أنَّ الشَّريكَ يَملِكُ أمرًا زائِدًا لا يَملِكُه المُودَعُ، وهو التَّصرُّفُ، فلَمَّا مَلَك المُودَعُ السَّفرَ فلَأنْ يَملِكَه الشَّريكُ أوْلَى.
وعلى قَولِ مَنْ يُجوِّزُ المُسافرةَ لِشَريكِ العِنانِ، لو أُذِنَ له بالمُسافَرةِ نَصًّا، أو قال له: اعمَلْ فيه برأيِكَ، فسافَرَ، كان له أنْ يُنفِقَ على نَفْسِه مِنْ كِرائِه ونَفقَتِه وطَعامِه وإدامِه مِنْ جُملةِ رأسِ المالِ، في رِوايةِ الحَسَنِ عن أبي حَنيفةَ.
قال مُحمدٌ ﵀: وهذا استِحسانٌ؛ فإنْ رَبِح تُحسَبُ النَّفقةُ مِنَ الرِّبحِ، وإنْ لَم يَربَحْ كانت النَّفقةُ مِنْ رأسِ المالِ، لأنَّ النَّفقةَ جُزءٌ تالِفٌ مِنَ المالِ؛ فإنْ كان هناك رِبحٌ فهو منه، وإلا فهو مِنَ الأصلِ كالمُضارِبِ. والقياسُ ألَّا يَكونَ له ذلك؛ لأنَّ الإنفاقَ مِنْ مالِ الغَيرِ لا يَجوزُ إلا بإذْنِه نَصًّا.