ولأنَّ الشَّركةَ في العُروضِ تُؤدِّي إلى جَهالةِ الرِّبحِ عندَ القِسمةِ؛ لأنَّ رأسَ المالِ يَكونُ قيمةَ العُروضِ، لا عَينَها، والقيمةُ مَجهولةٌ؛ لأنَّها تُعرَفُ بالحَزرِ والظَّنِّ، فيَصيرُ الرِّبحُ مَجهولًا، فيُؤدِّي إلى المُنازعةِ عندَ القِسمةِ، وهذا المَعنى لا يُوجدُ في الدَّراهمِ والدَّنانيرِ، لأنَّ رأسَ المالِ مِنَ الدَّراهمِ والدَّنانيرِ عندَ القِسمةِ عَينُها، فلا يُؤدِّي إلى جَهالةِ الرِّبحِ، «ولأنَّ النَّبيَّ ﷺ نَهى عن رِبحِ ما لَم يُضمَنْ»، والشَّركةُ في العُروضِ تُؤدِّي إلى رِبحِ ما لَم يُضمَنْ؛ لأنَّ العُروضَ غَيرُ مَضمونةٍ بالهَلاكِ؛ فإنَّ مَنِ اشتَرى شَيئًا بعَرضٍ بعَينِه فهَلَك العَرضُ قَبلَ التَّسليمِ لا يَضمنُ شَيئًا آخَرَ، لأنَّ العُروضَ تَتعيَّنُ بالتَّعيينِ، فيَبطلُ البَيعُ؛ فإذا لَم تَكُنْ مَضمونةً فالشَّركةُ فيها تُؤدِّي إلى رِبحِ ما لَم يُضمنْ وإنَّه مَنهيٌّ عنه، بخِلافِ الدَّراهمِ والدَّنانيرِ؛ فإنَّها مَضمونةٌ بالهَلاكِ؛ لأنَّها لا تَتعيَّنُ بالتَّعيينِ؛ فالشَّركةُ فيها لا تُؤدِّي إلى رِبحِ ما لَم يُضمنْ، بل يَكونُ رِبحَ ما ضُمِنَ (١).
وقال الشافِعيَّةُ: لا تَصحُّ في المُتقوَّمِ مِنَ العُروضِ؛ لأنَّه لا يُمكِنُ الخَلطُ في المُتقوَّماتِ؛ لأنَّها أعيانٌ مُتميِّزةٌ، وحينَئذٍ قد يَتلَفُ مالُ أحَدِهما أو يَنقُصُ فلا يُمكِنُ قِسمةُ الآخَرِ بَينَهما، ولأنَّ مَوضوعَ الشَّركةِ على ألَّا يَنفرِدَ أحَدُ الشَّريكَيْن برِبحِ مالِ أحَدِهما، وهذه الشَّركةُ تُفضي إلى ذلك؛ لأنَّه قد تَزيدُ قيمةُ عَرضِ أحَدِهما، ولا تَزيدُ قيمةُ عَرضِ الآخَرِ، فيُشارِكُه مَنْ لَم تَزِدْ قيمةُ عَرضِه عندَ المُفاصَلةِ، وهذا لا سَبيلَ إليه؛ فإنْ كان لكلِّ واحِدٍ منهما عَبدٌ
(١) «بدائع الصانع» (٦/ ٥٩)، «المبسوط» (١١/ ١٩٦، ١٩٧)، و «الجوهرة النيرة» (٣/ ٤٢٦، ٤٢٧)، و «اللباب» (١/ ٥٢٧، ٥٢٨).