والثانية: لا يُطالَبُ الضامِنُ إلا أنْ يَتعذَّرَ الاستيفاءُ مِنَ المَضمونِ عنه، وهو الأصيلُ، وهو وَجهٌ لِلشافِعيَّةِ (١).
جاء في «المُدوَّنةِ الكُبرى» تَحتَ عُنوانِ: في أخْذِ الحَميلِ بالحَقِّ والمُحتمَلُ به مَليءٌ غائِبٌ أو حاضِرٌ، قُلتُ: أرأيتَ إنْ تَحملتُ برَجلٍ أو بمالٍ على رَجلٍ، أيَكونُ لِلذي له الدَّينُ أنْ يأخُذَني بالحَقِّ الذي تَحمَّلتُ به، وصاحِبي الذي تَحمَّلتُ به مَليءٌ بالذي عليه في قَولِ مالِكٍ؟ قال: قال مالِكٌ: ليس ذلك له، ولكنْ يأخُذُ حَقَّه مِنَ الذي عليه الدَّينُ؛ فإنْ نقَص مِنْ حقِّه شَيءٌ أخَذه مِنْ مالِ الحَميلِ، إلا أنْ يَكونَ الذي عليه الدَّينُ مِديانًا، وصاحِبُ الحَقِّ يَخافُ إنْ قامَ عليه حاصَّه الغُرَماءُ، أو غائِبًا عنه، فله أنْ يأخُذَ الحَميلَ ويَدَعه، وقد كان مالِكٌ يَقولُ قبلَ ذلك: لِلذي له الحَقُّ أنْ يأخُذَ إنْ شاءَ الحَميلَ، وإنْ شاءَ الذي عليه الحَقَّ، ثم رجَع إلى هذا القولِ الذي أخبَرتُك، وهو أحَبُّ ما فيه إلَيَّ.
قال سَحنونٌ، وكذلك رَوى ابنُ وَهبٍ، قُلتُ لِابنِ القاسِمِ: أرأيتَ إنْ كان الذي عليه الحَقُّ مَليئًا غائِبًا، والحَميلُ حاضِرًا، أيَكونُ لِلذي له الدَّينُ أنْ يأخُذَ الحَميلَ، والذي عليه الدَّينُ مَليءٌ، إلا أنَّه غائِبٌ؟ قال: نَعَمْ: كذلك قال لي مالِكٌ، إلا أنْ يَكونَ لِلذي عليه الدَّينُ أموالٌ حاضِرةٌ ظاهِرةٌ، فإنَّها تُباعُ أموالُه في دَينِه، وقال غَيرُه: إلا أنْ يَكونَ في
(١) يُنظر: «بداية المجتهد» (٢/ ٤٠٧)، و «الإفصاح» لابن هبيرة (٢/ ٢٠٦)، و «المحلى» (٨/ ٥٢٦).