للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ المِرداويُّ في «الإنصاف»: الجَوربُ إذا كان خَفيفًا يَصفُ القَدمَ أو يَسقطُ منه إذا مَشى لم يَجزِ المَسحُ عليه بلا نِزاعٍ (١).

وقالَ شَيخُ الإِسلامِ ابنُ تَيميةَ : يَجوزُ المَسحُ على الجَورَبينِ إذا كانَ يَمشي فيهما، سَواءٌ كانَت مُجلَّدةً أو لم تَكنْ في أصَحِّ قَولَيِ العُلماءِ، ففي السُّننِ: «أنَّ النَّبيَّ مسَحَ على جَوربَيه ونَعلَيه» (٢).

وهذا الحَديثُ إذا لم يَثبتْ، فالقياسُ يَقتَضي ذلك؛ فإنَّ الفَرقَ بينَ الجَوربَينِ والنَّعلَين إنَّما هو كَونُ هذا من صُوفٍ وهذا من جِلدٍ، ومَعلومٌ أنَّ مِثلَ هذا الفَرقِ غيرُ مُؤثِّرٍ في الشَّريعةِ، فلا فَرقَ بينَ أنْ يَكونَ جُلودًا أو قُطنًا أو كَتَّانًا أو صُوفًا، كما لم يُفرَّقْ بينَ سَوادِ اللِّباسِ في الإحرامِ وبَياضِه ومَحظورِه ومُباحِه، وغايَتُه أنَّ الجِلدَ أبقَى من الصُّوفِ: فهذا لا تَأثيرَ له، كما لا تَأثيرَ لكَونِ الجِلدِ قَويًّا، بل يَجوزُ المَسحُ على ما يَبقى وما لا يَبقى.

وأيضًا فمن المَعلومِ أنَّ الحاجةَ إلى المَسحِ على هذا كالحاجةِ إلى المَسحِ على هذا سَواءٌ، ومع التَّساوي في الحِكمةِ والحاجةِ يَكونُ التَّفريقُ بينَهما تَفريقًا بينَ المُتماثِلَين، وهذا خِلافُ العَدلِ والاعتِبارِ الصَّحيحِ الذي جاءَ به الكِتابُ والسُّنةُ، وما أنزَلَ اللهُ به كُتُبَه وأرسَلَ به رُسلَه، ومن فرَّقَ بكَونِ هذا يَنفذُ الماءُ منه وهذا لا يَنفذُ منه، فقد ذكَرَ فَرقًا طَرديًّا عَديمَ التأثيرِ.


(١) «الإنصاف» (١/ ١٨٢).
(٢) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: تقدم

<<  <  ج: ص:  >  >>