للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعندَ الشافِعيِّ لا يَجوزُ المَسحُ على الجَواربِ، وإنْ كانَت مُنعَّلةً إلا إذا كانَت مُجلَّدةً إلى الكَعبَينِ.

احتَجَّ أبو يُوسفَ ومُحمدٌ بحَديثِ المُغيرةِ بنِ شُعبةَ «أنَّ النَّبيَّ تَوضَّأ ومسَحَ على الجَورَبينِ»، ولأنَّ الجَوازَ في الخُفِّ لدَفعِ الحَرجِ لمَا يَلحقُه من المَشقةِ بالنَّزعِ، وهذا المَعنى مَوجودٌ في الجَورَبِ بخِلافِ اللِّفافةِ والمُكعَّبِ؛ لأنَّه لا مَشقةَ في نَزعِهما.

ولأبي حَنيفةَ أنَّ جَوازَ المَسحِ على الخُفَّينِ ثبَتَ نَصًّا بخِلافِ القياسِ، فكلُّ ما كانَ في مَعنى الخُفِّ في إِمكانِ المَشيِ عليه وإمكانِ قَطعِ السَّفرِ به يَلحقُ به، وما لا فلا، ومَعلومٌ أنَّ غيرَ المُجلَّدِ والمُنعَّلِ من الجَواربِ لا يُشاركُ الخُفَّ في هذا المَعنى، فتَعذَّر الإِلحاقُ على أنَّ شَرعَ المَسحِ إنْ ثبَتَ للتَّرفيهِ فالحاجةُ إلى التَّرفيهِ فيما يَغلِبُ لُبسُه، ولُبسُ الجَواربِ مما لا يَغلِبُ، فلا حاجةَ فيها إلى التَّرفيهِ فبَقيَ أصلُ الواجِبِ بالكِتابِ، وهو غَسلُ الرِّجلَينِ.

وأمَّا الحَديثُ فيَحتملُ أنَّهما كانا مُجلَّدينِ أو مُنعَّلينِ، وبه نَقولُ، ولا عُمومَ له؛ لأنَّه حِكايةُ حالٍ، ألَا تَرى أنَّه لم يَتناولِ الرَّقيقَ من الجَواربِ؟

وأمَّا الخُفُّ المُتَّخذُ من اللُّبدِ فلم يَذكُرْه في ظاهِرِ الرِّوايةِ، وقيلَ: إنَّه على التَّفصيلِ والاختِلافِ الذي ذَكَرنا، وقيلَ: إنْ كانَ يُطيقُ السَّفرَ جازَ المَسحُ عليه، وإلا فلا، وهذا هو الأصَحُّ (١).


(١) «بدائع الصنائع» (١/ ٤٦، ٤٧)، وينظر: و «رد المحتار» (١/ ٤٥١)، و «البحر الرائق» (١/ ١٩١)، و «الاستذكار» (١/ ٢٢٢)، و «التاج والإكليل» (١/ ٣٢٠)، و «الخلاصة الفقهية» (١/ ٤٥)، و «القوانين الفقهية» (١/ ٣٠)، و «المجموع» (١/ ٥٦٤)، و «الإفصاح» (١/ ١٠١)، و «عون المعبود» (١/ ١٨٧)، و «تحفة الأحوذي» (١/ ٢٧٨، ٢٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>