وقال المالِكيَّةُ: إنَّ حَقَّ المُحالِ يَتحوَّلُ على المُحالِ عليه بمُجرَّدِ عَقدِ الحَوالةِ، وإنْ أفلَسَ المُحالُ عليه أو جحَد الدَّينَ الذي عليه بعدَ تَمامِ الحَوالةِ فلا رُجوعَ لِلمُحالِ على المُحيلِ، وتَكونُ المُصيبةُ منه بحُصولِ البَراءةِ بإتْباعِ ذِمَّةِ المُحالِ عليه، وسَواءٌ كان الفَلَسُ سابِقًا على عَقدِ الحَوالةِ أو طارِئًا عليها.
لقَولِ النَّبيِّ ﷺ:«وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فأطلَقَ ولَم يُقيِّدْ، ولأنَّها حَوالةٌ بَرِئتْ ذِمَّةُ المُحيلِ بها لَم يَجُزْ له الرُّجوعُ على المُحيلِ به، أصلُه إذا لَم يَتغيَّرْ حالُه، ولا يَلزَمُ عليه الغَرَرُ؛ لأنَّ الذِّمَّةَ لا تُبرأُ معه، ولأنَّ عَقدَ الحَوالةِ إذا انبَرَمَ فإنَّ بَقاءَه يَمنَعُ رُجوعَ المُحتالِ على المُحيلِ، أصلُه ما ذَكَرناه، وفي الغَرَر لَم يَنبَرِمْ، ولأنَّ الحَوالةَ سَبَبٌ لِسُقوطِ المُطالَبةِ بالدَّينِ وتَبَدُّلِه، فوَجَب أنْ يَسقُطَ به حَقُّ الرُّجوعِ كالقَبضِ والإبراءِ، ولا يَلزَمُ عليه الغَرَرُ؛ لأنَّ المُطالَبةَ لا تَسقُطُ معه، ولأنَّ الحَوالةَ بمَنزِلةِ الإبراءِ والقَبضِ، بدَليلِ سُقوطِ المُطالَبةِ بالدَّينِ معها، وجَوازِ التأخيرِ فيها، فكان المُحالُ عليه عَيبًا حادِثًا بعدَ القَبضِ، فلَم يَرجِعْ به.
ولا يَرجِعُ عليه إلا أنْ يَعلَمَ المُحيلُ بإفلاسِ المُحالِ عليه وَحدَه دونَ المُحالِ، فإنَّ حَقَّ المُحالِ لا يَتحوَّلُ على ذِمَّةِ المُحالِ عليه، ولا تُبرَأُ ذِمَّةُ المُحيلِ بذلك، ولِلمُحالِ أنْ يَرجِعَ على المُحيلِ بدَيْنِه؛ لأنَّ المُحالَ إنَّما أبرأ الغَريمَ على أنْ يُسلِمَ له ذِمَّةً مَليئةً، فإذا غَرَّه مِنْ عَدَمِها فقد دَلَّسَ له بعَيبِها فوَجَب له الرُّجوعُ.
ولأنَّ البَراءةَ كانت بشَرطِ سَلامةِ ذِمَّةِ المُحالِ عليه؛ لأنَّه على ذلك