للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا الدَّينِ لا يَكونُ المُحالُ أحَقَّ به مِنْ بَينِ سائِرِ الغُرَماءِ عندَ أبي حَنيفةَ وأبي يُوسُفَ ومُحمدٍ، وعندَ زُفَرَ يَكونُ أحَقَّ به مِنْ بَينِ سائِرِ الغُرَماءِ كالرَّهنِ.

ولِلثَّلاثةِ الفَرقُ بينَ الحَوالةِ والرَّهنِ، وهو أنَّ المُرتَهَنَ اختُصَّ بغُرمِ الرَّهنِ مِنْ بَينِ سائِرِ الغُرَماءِ، ألَا تَرى أنَّه لو هَلَك يَسقُطُ دَينُه خاصَّةً، ولَمَّا اختُصَّ بغُرمِه اختُصَّ بغُنمِه؟ لأنَّ الخَراجَ بالضَّمانِ، فأمَّا المُحالُ في الحَوالةِ المُقيَّدةِ فلَم يَختَصَّ بغُرمِ ذلك المالِ، ألَا تَرى أنَّه لو هَلَك لا يَسقُطُ دَينُه على المُحيلِ؟ والهَلاكُ على المُحيلِ دونَه، فلَمَّا لَم يَختَصَّ بغُرمِه لَم يَختَصَّ بغُنمِه أيضًا، بل يَكونُ هو وغُرَماءُ المُحيلِ أُسوةً في ذلك، وإذا أراد المُحيلُ أنْ يأخُذَ المُحالَ عليه ببَقيَّةِ دَينِه فليس له ذلك؛ لأنَّ المالَ الذي قُيِّدتْ به الحَوالةُ استُحِقَّ مِنَ المُحالِ عليه، فبَطَلتِ الحَوالةُ.

ولو كانتِ الحَوالةُ مُطلَقةً والمَسألةُ بحالِها يُؤخَذُ مِنَ المُحالِ عليه جَميعُ الدَّينِ الذي عليه، ويُقسَّمُ بينَ غُرَماءِ المُحيلِ، ولا يَدخُلُ المُحالُ في ذلك، وإنَّما يُؤخَذُ مِنَ المُحالِ عليه؛ لأنَّ الحَوالةَ لَم تَتعلَّقْ به، فذلك مِلكُ المُحيلِ ولا يُشارِكُهم المُحالُ في ذلك؛ لأنَّ حَقَّه ثَبَت على المُحالِ عليه ولا يَعودُ إلى المُحيلِ، ولكنَّ القاضيَ يأخُذُ مِنْ غُرَماءِ المُحيلِ كَفيلًا؛ لأنَّه ثَبَت الرُّجوعُ إليهم لِأحَدِ رَجُلَيْنِ.

أمَّا المُحالُ إذا هَلَك ما على الآخَرِ، وأمَّا المُحالُ عليه إذا أدَّى الدَّينَ فالقاضي نَصَّبَ ناظِرًا لِأُمورِ المُسلِمينَ فيَحتاطُ في ذلك بأخْذِ الكَفيلِ (١).


(١) «بدائع الصنائع» (٦/ ١٧، ١٦)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ٢٧، ٢٨)، و «مختصر الوقاية» (٢/ ١٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>