للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

: «وإذا أُتبِعَ أحَدُكم على مَليءٍ فلْيَتبَعْ»، فأمَرَه بالاتِّباعِ، ومُجرَّدُ الأوامِرِ على الوُجوبِ عندَ أكثَرِ الفُقهاءِ، ولا شَكَّ أنْ أكثَرَ مَنْ قال بأنَّه لا يُجبَرُ على قَبولِ الحَوالةِ، وأنْ يَتْبَعَ غيرَ ذِمَّتِه، يَقولُ: إنَّ مُجرَّدَ الأمْرِ يَقتَضي الوُجوبَ فيَلزَمُهم أنْ يَتأوَّلوا الحَديثَ الذي تَعلَّقَ به داودُ، وهم يَقولونَ: إنَّه مَحمولٌ على الاستِحبابِ، وإنَّه يُستَحبُّ لمَن أُحيلَ على مَليءٍ أنْ يَقبَلَ الحَوالةَ، ولهم في ذلك مَسلَكانِ:

أحَدُهما: صَرفُ قَولِه : «فليَتبَعْ» عن الوُجوبِ إلى النَّدبِ؛ لِما قَدَّمناه مِنَ الأقيِسةِ.

وهذا إنَّما يَحسُنُ سُلوكُه إذا قيلَ: إنَّ حَملَ الأمرِ على الوُجوبِ لا يَجري مَجرى النُّصوصِ، بل مَجرى الظَّواهِرِ المُحتَملةِ، فيَحتمِلُ مُجرَّدُ الأمرِ الوُجوبَ، ويَحتمِلُ النَّدبَ، لكنَّه في الوُجوبِ أظهَرُ فيَحسُنُ صَرفُه عن الوُجوبِ إلى النَّدبِ بالأقيِسةِ.

وأمّا المَسلَكُ الآخَرُ: فالتَّمسُّكُ بصَدرِ الحَديثِ، وهو أنَّه افتَتَح ذلك بأنْ قالَ : «مَطلُ الغَنيِّ ظُلمٌ»، وفي تأخيرِ قَضاءِ الدَّينِ إلى أنْ يَتحوَّلَ إلى ذِمَّةٍ أُخرى يَقتَضيها نَوعٌ مِنَ المَطلِ، وقد وَصَفَ النَّبيُّ المَطلَ بأنَّه ظُلمٌ لا سيَّما مُقتَضى قَولِه : «وإذا أُحيلَ أحَدُكم على مَليءٍ فليَحتَلْ»، يَقتَضي أنَّ المُحتالَ إذا أحالَه مَنْ أُحيلَ عليه على رَجُلٍ آخَرَ يَلزَمُه قَبولُ الحَوالةِ، وكذلك إذا أحالَه الثاني على الثالِثِ، وهذا يُؤدِّي إلى ما لا يَتناهَى حتى يُخرِجَنا عن المَطلِ إلى إبطالِ الحُقوقِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>