للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعَزَّ شَأنُه، قال اللهُ : ﴿وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ﴾ [الطلاق: ٢]، والصُّلحُ عن حُقوقِ اللهِ ﷿ باطِلٌ ويَجبُ عليه رَدُّ ما أخَذَ؛ لأنَّه أخَذَه بغَيرِ حَقٍّ.

ولو عَلِمَ القاضي به أبطَلَ شَهادَتَه؛ لأنَّه فِسقٌ، إلا أنْ يُحدِثَ تَوبةً فتُقبَلَ.

ويَجوزُ الصُّلحُ عن التَّعزيرِ؛ لأنَّه حَقُّ العَبدِ.

وكذا يَصحُّ عن القِصاصِ في النَّفسِ وما دونَه؛ لأنَّ القِصاصَ مِنْ حَقِّ العَبدِ، سَواءٌ كان البَدَلُ عَينًا أو دَينًا، إلا إذا كان دَينًا فيُشترَطُ القَبضُ في المَجلِسِ؛ احتِرازًا عن الافتِراقِ عن دَينٍ بدَينٍ، وسَواءٌ كان مَعلومًا أو مَجهولًا جَهالةً غيرَ مُتَفاحِشةٍ حتى لو صالَحَ مِنَ القِصاصِ على عَبدٍ أو ثَوبٍ هَرَويٍّ جازَ؛ لأنَّ الجَهالةَ قَلَّتْ ببَيانِ النَّوعِ؛ لأنَّ مُطلَقَ العَبدِ يَقَعُ على عَبدٍ وَسَطٍ، ومُطلَقَ الثَّوبِ الهَرَويِّ يَقَعُ على الوَسَطِ منه، فتَقِلُّ الجَهالةُ فيَصحُّ الصُّلحُ، وله الخيارُ، إنْ شاءَ أعطى الوَسَطَ مِنْ ذلك، وإنْ شاءَ أعطى قيمَتَه، كما في النِّكاحِ، فأمَّا إذا صالَحَ على ثَوبٍ أو دابَّةٍ أو دارٍ فلا يَجوزُ؛ لأنَّ الثيابَ والدَّوابَّ أجناسٌ تَحتَها أنواعٌ مُختَلِفةٌ، ولأنَّ جَهالةَ النَّوعِ مُتَفاحِشةٌ، فتَمنَعُ الجَوازَ.

وكذا جَهالةُ الدُّورِ -لاختِلافِ الأماكِنِ- مُلحَقةٌ بجَهالةِ الثَّوبِ والدَّابَّةِ، فتَمنَعُ الجَوازَ، كما في بابِ النِّكاحِ.

والأصلُ والضابِطُ في هذا أنَّ كلَّ جَهالةٍ تَمنَعُ صِحَّةَ التَّسميةِ في بابِ النِّكاحِ تَمنَعُ صِحَّةَ الصُّلحِ مِنَ القِصاصِ، وما لا فلا؛ لأنَّ ما وَقَع عليه الصُّلحُ والمَهرُ كلُّ واحِدٍ منهما يَجبُ بَدَلًا عما ليس بمالٍ، والجَهالةُ لا تَمنَعُ مِنَ الصِّحَّةِ لِعَينِها.

<<  <  ج: ص:  >  >>