للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والفَرقُ أنَّ بَدَل الصُّلحِ في بابِ الخَطَأِ وشِبهِ العَمدِ عِوَضٌ عن الدِّيةِ، وأنَّها مُقدَّرةٌ بمِقدارٍ مَعلومٍ لا تَزيدُ عليه، فالزِّيادةُ على المُقدَّرِ تَكونُ رِبًا، فأمَّا بَدَلُ الصُّلحِ عن القِصاصِ فعِوَضٌ عن القِصاصِ، والقِصاصُ ليس مِنْ جِنسِ المالِ حتى يَكونَ البَدَلُ عنه زيادةً على المالِ المُقدَّرِ، فلا يَتحقَّقُ الرِّبا فهو الفَرقُ.

وأمَّا ما دونَ النَّفْسِ فمُعتبَرٌ بالنَّفْسِ، فيَلحَقُ ما يُوجِبُ القِصاصَ فيه بالعَمدِ في النَّفْسِ وما يُوجِبُ المالَ فيه بالخَطَأِ فيها.

وهذا إذا صالَحَ على مَقاديرِ الدِّيةِ، أمَّا إذا صالَحَ على غيرِ ذلك جازَتِ الزِّيادةُ على قَدْرِ الدِّيةِ؛ لأنَّها مُبادَلةٌ بها، إلا أنَّه يُشترَطُ القَبضُ في المَجلِسِ كي لا يَكونَ افتِراقًا عن دَينٍ بدَينٍ، ولو قَضى القاضي بأحَدِ مَقاديرِ الدِّيةِ فصالَحَ على جِنسٍ آخَرَ منها بالزِّيادةِ جازَ؛ لأنَّه تَعيَّنَ الحَقُّ بالقَضاءِ، فكان مُبادَلةً، بخِلافِ الصُّلحِ ابتِداءً.

فإذا قَضَى القاضي بالدِّيةِ مِئةَ بَعيرٍ فصالَحَ القاتِلُ الوَليَّ على الأبْعِرةِ المِئةِ على أكثَرَ مِنْ مِئتَيْ بَقَرةٍ، وهي عندَه، ودَفَع ذلك جازَ؛ لأنَّ قَضاءَ القاضي عَينُ الوُجوبِ في الإبِلِ، فإذا صالَحَ على البَقَرِ فالبَقَرُ الآنَ ليسَتْ بمُستحَقَّةٍ، وبَيعُ الإبِلِ بالبَقَرِ جائِزٌ، وإنْ صالَحَ عن الإبِلِ بشَيءٍ مِنَ المَكيلِ أو المَوزونِ سِوى الدَّراهِمِ والدَّنانيرِ إلى أجَلٍ لَم يَجُزْ؛ لأنَّ الإبِلَ دَينٌ في الذِّمَّةِ، فإذا صالَحَ عنها بكَيلٍ أو مَوزونٍ مُؤجَّلٍ فقد عاوَضَ دَينًا بدَينٍ، فلا يَجوزُ، وإنْ صالَحَ مِنَ الإبِلِ على مِثلِ قيمةِ الإبِلِ أو أكثَرَ بما يُتغابَنُ فيه جازَ؛ لأنَّ الزِّيادةَ غيرُ مُتَيقَّنةٍ، وإنْ كانتْ بأكثَرَ ممَّا يُتغابَنُ فيه لَم يَجُزْ؛ لأنَّه صالَحَ على أكثَرَ مِنَ المُستحَقِّ فلا يَجوزُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>