للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فهو إمَّا أنْ يَقَعَ عن بَعضِ العَينِ المُدَّعاةِ فيَكونَ إبراءً لِبَعضِه، كما لو أقَرَّ له بدارٍ فصالَحَه على نِصفِها مَثَلًا فهذا هِبةٌ.

وإمَّا أنْ يَقَعَ على عَينٍ غيرِ المُدَّعاةِ، كما إذا ادَّعى عليه دارًا فأقَرَّ له بها وصالَحَه عنها بمُعيَّنٍ -كثَوبٍ-، فهذا بَيعٌ يَجري فيه أحكامُ البَيعِ.

وإمَّا أنْ يُصالِحَه على مَنفَعةٍ، كما إذا صالَحَه على سُكنى دارٍ أو على خِدمةِ عَبدٍ مُدَّةً مَعلومةً، فتَكونَ إجارةً يَجري فيها أحكامُها.

وقد اتَّفقَ فُقهاءُ المَذاهِبِ الأربَعةِ على صِحَّةِ هذَيْنِ النَّوعَيْنِ: الإبراءِ والمُعاوَضةِ، وإنْ وُجِدَ خِلافٌ في بَعضِ التَّفاصيلِ مِنْ مَذهبٍ لِآخَرَ، وهي على التَّفصيلِ التالي:

قال الحَنفيَّةُ: إنْ وَقَعَ الصُّلحُ عن إقرارٍ اعتُبِرَ فيه ما يُعتَبَرُ في البِياعاتِ إنْ وَقَعَ عن مالٍ بمالٍ لِوُجودِ مَعنى البَيعِ، وهو مُبادَلةُ المالِ بالمالِ في حَقِّ المُتعاقِدَيْنِ بتَراضيهما، فتَجري فيه الشُّفعةُ إذا كان عَقارًا، ويُرَدُّ بالعَيبِ ويَثبُتُ فيه خيارُ الرُّؤيةِ وخيارُ الشَّرطِ، ويُشترَطُ القُدرةُ على تَسليمِ البَدَلِ، ويُفسِدُه جَهالةُ البَدَلِ، وهو ما وَقَعَ عليه الصُّلحُ؛ لأنَّ البَيعَ يَفسُدُ بالجَهالةِ المُفضيةِ إلى المُنازَعةِ.

وقُيِّدَ بالبَدَلِ لأنَّ جَهالَتَه هي المُفضيةُ إلى المُنازَعةِ في الصُّلحِ؛ لأنَّ المُصالَحَ عنه لا يَحتاجُ في الصُّلحِ إلى تَسليمِه، فلا تَضرُّه الجَهالةُ، بخِلافِ المُصالَحِ عليه، ولِهذا لو كان البَدَلُ غيرَ مَقدورِ التَّسليمِ يَفسُدُ الصُّلحُ، ولو كان المُصَالَحُ عنه كذلك لَم يَفسُدْ؛ لأنَّه لا يَحتاجُ إلى تَسليمِه، وكذلك يَفسُدُ البَدَلُ بجَهالةِ الأجَلِ إذا جُعِلَ مُؤجَّلًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>