للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا بخِلافِ تَصرُّفِ الصَّبيِّ؛ فإنَّه غيرُ ماضٍ، وله رَدُّه، وبخِلافِ الأُنثى المُهمَلةِ، فتَصرُّفُها مَردودٌ، ولو تَزوَّجتْ، إلا أنْ يَدخُلَ بها زَوجٌ ويَطولَ مُكثُها معه، كسَبعٍ مِنَ السِّنينَ فأكثَرَ، وتَتصرَّفُ بعدَ ذلك فيَمضي ولا يُرَدُّ.

وتَصرُّفه بعدَ الحَجْرِ عليه مَردودٌ، ولو حَسُنَ تَصرُّفُه، ما لَم يَحصُلِ الفَكُّ عنه مِنْ وَصيٍّ أو حاكِمٍ أو مُقدِّمٍ؛ لِوُجودِ عِلَّةِ الحَجْرِ عليه.

وقال ابنُ القاسِمِ وبَعضُ المالِكيَّةِ: يَرُدُّ تَصرُّفَه؛ لأنَّ العِلَّةَ السَّفَهُ، وهو مَوجودٌ.

قال المازوريُّ : وأشياخي المُحقِّقونَ يَختارونَ الرَّدَّ لِأفعالِه، ويَرَوْنَ أنَّ السَّفَهَ عِلَّةٌ في الرَّدِّ، وليس الحُكمُ بالحَجْرِ عِلَّةَ الرَّدِّ؛ لِكَونِ الحَجْرِ تَنْحيةً عن السَّفَهِ، ولِكَونِ السَّفَهِ أشَدَّه وأوجَبَه، وليس الحُكمُ بالحَجْرِ هو الذي أثبَتَ الحَجْرَ وأوجَبَه، بل السَّفَهُ عِلَّةٌ، والحُكمُ مَعلولٌ، فلا يَنقلِبُ الأمرُ فيَصيرُ المَعلولُ عِلَّةً والعِلَّةُ مَعلولًا.

وكأنَّ مَنْ ذهَب إلى خِلافِ هذا رأى أنَّ ثُبوتَ السَّفَهِ يَحتاجُ إلى اجتِهادٍ وكَشفٍ وبَحثٍ، وهو أيضًا مِمَّا اختَلَفَ المَذهبُ في حَقيقَتِه على حَسَبِ ما قَدَّمْناه فيما سَلَف، وما كان مُختَلَفًا فيه ويَفتَقِرُ ثُبوتُه إلى اجتِهادٍ لَم يُقضَ به ويَثبُتْ حُصولُه إلا بحُكمِ حاكِمٍ، لا سيَّما أنَّ في رَدِّ أفعالِه إضرارًا بمُعامِليه؛ لأنَّهم يَرَوْنَ رَجُلًا يَتصرَّفُ في مالِه ولا يُنكَرُ ذلك عليه أحَدٌ، فيُعامِلونَه، فلو رَدَدْنا أفعالَه أضرَرْنا بمُعامِليه، وهم لَم يُقصِّروا في الاجتِهادِ ولَم يُفرِّطوا، بخِلافِ مُعامَلَتِهم لِصَغيرٍ لَم يَبلُغْ، أو مَجنونٍ، فإنَّ مُعامَلَتَهم له تُرَدُّ؛ لِكَونِهم

<<  <  ج: ص:  >  >>