للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأصلُ المُسامَحاتِ في التَّصرُّفاتِ والبِرِّ والإحسانِ مَشروعٌ، إلا أنَّ الإسرافَ حَرامٌ، كالإسرافِ في الطَّعامِ والشَّرابِ، قال اللهُ : ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا﴾ [الفرقان: ٦٧] (١).

وقال المالِكيَّةُ: السَّفَهُ الذي هو أحَدُ أسبابِ الحَجْرِ: هو التَّبذيرُ، أي صَرفُ المالِ في غيرِ ما يُرادُ له شَرعًا، كخَمرٍ وقِمارٍ، أو بصَرْفِه في مُعامَلةٍ مِنْ بَيعٍ أو شِراءٍ بغَبنٍ فاحِشٍ خارِجٍ عن العادةِ بلا مَصلَحةٍ تَترَتَّبُ عليه بأنْ يَكونَ شأنُه ذلك مِنْ غيرِ مُبالاةٍ، أو أنْ يَكونَ صَرْفُه في شَهواتٍ نَفْسانيَّةٍ على خِلافِ عادةِ مِثلِه في مَأكَلِه ومَشرَبِه ومَلبَسِه ومَركَبِه ونَحوِ ذلك، أو بإتلافِه هَدَرًا، كأنْ يَطرَحَه على الأرضِ أو يَرميَه في بَحرٍ أو مِرحاضٍ، كما يَقَعُ لِكَثيرٍ مِنَ السُّفَهاءِ يَطرَحونَ الأطعِمةَ والأشرِبةَ فيما ذُكِرَ، ولا يَتصدَّقونَ بها (٢).

وقال الشافِعيَّةُ: التَّبذيرُ صَرفُ المالِ في غيرِ مَصارِفِه المَعروفةِ، عندَ العُقلاءِ، قال أهلُ اللُّغةِ: التَّبذيرُ تَفريقُ المالِ إسرافًا، ورَجُلٌ مُبذِّرٌ وتِبذارةٌ.

والسَّفيهُ الذي يُحجَرُ عليه هو الذي يُضيِّعُ مالَه باحتِمالِ غَبنٍ فاحِشٍ في المُعامَلةِ ونَحوِها، وهو ما لا يُحتمَلُ في الأغلَبِ، بخِلافِ اليَسيرِ، كبَيعِ ما يُساوي عَشَرةً بتِسعةٍ، ومَحَلُّ ذلك إذا كان جاهِلًا بحالِ المُعامَلةِ -أما إذا كان عالِمًا بالمُعامَلةِ فأعطى أكثَرَ مِنْ ثَمَنِها، فإنَّ الزائِدَ صَدَقةٌ خَفيَّةٌ مَحمودةٌ، أي: إنْ كان التَّعامُلُ مع مُحتاجٍ وإلا فهِبةٌ.


(١) «حاشية ابن عابدين مع الدر المختار» (٦/ ١٤٧).
(٢) «الشرح الصغير» (٧/ ٣٦٨، ٣٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>