فذهَب الشافِعيَّةُ والحَنابِلةُ وأبو يُوسُفَ ومُحمدٌ مِنَ الحَنفيَّة -وهي رِوايةٌ عن أبي حَنيفةَ- وابنُ وَهبٍ مِنَ المالِكيَّةِ إلى أنَّ الغُلامَ أو الجاريةَ إذا بَلَغ أحَدٌ منهما سِنَّ خَمسَ عَشرةَ سَنةً ولَم يَحصُلْ له إحدى العَلاماتِ السابِقةِ حُكِمَ ببُلوغِه لقَولِ ابنِ عُمرَ ﵄:«عُرِضْتُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ يَوْمَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْنِي، وَعُرِضْتُ عَلَيْهِ يَوْمَ الخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَنِي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فالظاهِرُ أنَّ عَدَم الإجازةِ لِعَدَمِ البُلوغِ؛ ولأنَّه المُعتادُ الغالِبُ؛ فإنَّ العَلاماتِ تَظهَرُ في هذه المُدَّةِ في الأغلَبِ، فجَعَلوا المُدَّةَ عَلامةً في حَقِّ مَنْ لَم يَظهَرْ له العَلامةُ.
ولأنَّ السِّنَّ مَعنًى يَحصُلُ به البُلوغُ يَشتَرِكُ فيه الغُلامُ والجاريةُ، فاستَوَيا فيه كالإنزالِ.
وذهَب المالِكيَّةُ في المَشهورِ والإمامُ أبو حَنيفةَ إلى أنَّه إذا لَم يُوجَدْ واحِدٌ مِنَ الأشياءِ المَذكورةِ السابِقةِ حتى يَتِمَّ له ثَمانيَ عَشرةَ سَنةً في حَقِّ الصَّبيِّ -وكذا الجاريةُ عندَ المالِكيَّةِ- فعندَئِذٍ يُحكَمُ ببُلوغِه؛ لقَولِ اللهِ ﷾: ﴿حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾ [الأنعام: ١٥٢]، وأشُدُّ الصَّبيِّ ثَمانيَ عَشرةَ سَنةً، كذا قال ابنُ عبَّاسٍ، وهو أقَلُّ ما قيلَ في الأشُدِّ، فيُبنى الحُكمُ عليه لِلتَّيقُّنِ به.
وأمَّا الجاريةُ فعندَ أبي حَنيفةَ حتى يَتِمَّ لها سَبعَ عَشرةَ سَنةً؛ لأنَّ الإناثَ نُشوؤهُنَّ وإدراكُهُنَّ أسرَعُ مِنْ إدراكِ الذُّكورِ، فنَقَصنَ عنه سَنةً.
فمَن لَم يُوجَدْ فيه عَلامةٌ مِنْ هذه العَلاماتِ السابِقةِ فهو صَبيٌّ (١).