وإنَّما يَضمَنُ الصَّبيُّ ما أتلَفَه -مُمَيِّزًا كان أو غيرَ مُمَيِّزٍ-؛ لأنَّ ضَمانَ المُتلَفاتِ يُنظَرُ فيه إلى الجِنايةِ على مالِ الغَيرِ، والصَّبيُّ -وإنْ لَم يَكُنْ مُمَيِّزًا- يَصحُّ أنْ يَتَّصِفَ بما يُوجِبُ غُرمَه، وهو جِنايَتُه على المالِ، ولأنَّ الضَّمانَ مِنْ بابِ خِطابِ الوَضعِ الذي لا يُشترَطُ فيه التَّكليفُ، بل ولا التَّمييزُ، ولأنَّ الذِّمَّةَ ثابِتةٌ لِلجَميعِ: المُمَيِّزِ وغَيرِه.
وإنْ أُمِّنَ الصَّبيُّ عليه فتلِف فلا ضَمانَ عليه؛ لأنَّ مَنْ أمِّنَه قد سَلَّطَه على إتلافِه؛ ولأنَّه مَحجورٌ عليه، ولو ضمِن المَحجورُ لَبَطَلتْ فائِدةُ الحَجرِ، فإنْ كان الذي أمِّنَه هو رَبَّ المالِ فقد ضاعَ هَدَرًا، وإنْ كان غَيرَه فعلى الذي ائتَمَنَه الضَّمانُ؛ لِتَفريطِه.
وكثيرًا ما يَقَعُ أنَّ الإنسانَ قد يُرسِلُ مع صَبيٍّ شَيئًا لِيُوصِّلَه إلى أهلِ مَحَلٍّ، فيَضيعُ مِنَ الصَّبيِّ أو يَتلَفُ، فلا ضَمانَ على الصَّبيِّ، وإنَّما الضَّمانُ على مَنْ أرسَلَه به، فإنْ كان المُرسَلُ رَبَّ المالِ فهَدَرٌ.
والمَجنونُ والصَّبيُّ غيرُ المُمَيِّزِ إذا أتلَفا مالًا أو حَصَل منهما جِنايةٌ -ولو على نَفْسَيْهما- فإنَّهما يَضمَنانِ المالَ في ذِمَّتِهما، والدِّيةُ على عاقِلَتَيْهما إنْ بَلَغتِ الثُّلُثَ، وإلا فعليهما في مالَيْهما حيثُ وُجِدَ؛ لِتَعلُّقِهما بالذِّمَّةِ (١).
(١) «تحبير المختصر» (٤/ ١٦٢، ١٦٣)، و «الشرح الكبير» (٤/ ٤٧٨، ٤٨٠)، و «التاج والإكليل» (٤/ ٧٧، ٧٨)، و «شرح مختصر خليل» (٥/ ٢٩٢، ٢٩٤)، و «مواهب الجليل» (٦/ ٤٧٩، ٤٨٢)، و «بلغة السالك مع الشرح الصغير» (٣/ ٣٤٢، ٣٤٦)، و «التاج والإكليل» (٤/ ٩٠)، و «الذخيرة» (٨/ ٢٣٢).