للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أبو حَنيفةَ والشافِعيُّ: يَنفَكُّ عنها الحَجْرُ بالبُلوغِ نَفْسِه مِنْ غيرِ حاجةٍ إلى تَزويجٍ.

فدَليلُنا أنَّ كلَّ حالٍ جازَ لِلأبِ إنكاحُها فيها بغَيرِ إذْنِها كان الحَجْرُ على المالِ مُستَدامًا فيها كالصَّغيرةِ، ولأنَّ البِنتَ لا تَخبُرُ مَصلَحَتَها ولا تَعرِفُ المُعامَلاتِ، ولا تَعرِفُ مَعانيَها ومَصالِحَ المالِ بالبُلوغِ نَفْسِه دونَ التَّزويجِ؛ لأنَّها إذا زُوِّجتْ ودُخِلَ بها عَرَفتْ حينَئذٍ الأُمورَ وخَبَرتْها، فحينَئذٍ يَنفَكُّ الحَجْرُ عنها (١).

وقال أيضًا: لأنَّها بالبُلوغِ لَم تَخبُرِ الرِّجالَ ولا عَرَفتِ المُعامَلاتِ، ولا تَقِفُ على إصلاحِ المالِ ووُجوهِ الغَبنِ، فكان الحَجْرُ عليها مُستَصحَبًا، حتى إذا دَخَل بها الزَّوجُ وعَرَفتِ الرِّجالَ وما يُرادُ منها، وبَرَز وَجهُها وعَرَفتِ المُعامَلاتِ وعُلِمَ منها ضَبطُها لِمالِها فُكَّ حَجرُها، وهذا هو الفَرقُ بَينَها وبَينَ الغُلامِ (٢).

وقال القَرافيُّ : إنَّ مَقصودَ الرُّشدِ مَعرِفةُ المَصالِحِ، وقَبلَ اختيارِ الأزواجِ يَكونُ الجَهلُ والنَّقصُ في المَعرِفةِ حاصلَيْنِ، وعن شُرَيحٍ قال: «كتَب إلَيَّ عُمَرُ ألَّا أُجيزَ لِلجارِيةِ عَطيَّةً حتى تَحُولَ في بَيتِ زَوجِها وتَلِدَ وَلَدًا»، ولأنَّ الإجبارَ لِلأبِ باقٍ، وهو حَجْرٌ فيَعُمُّ … ؛ لأنَّ قَولَ اللهِ : ﴿فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا﴾ [النساء: ٦٥] مَعناه إصلاحُ


(١) «الإشراف» (٣/ ٣٩، ٤٠) رقم (٩٠٣).
(٢) «المعونة» (٢/ ١٥٩، ١٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>