ويَحتاجَ الراهِنُ إلى مالٍ آخَرَ فيأخُذَه مِنَ المُرتَهَنِ لِيَكونَ الرَّهنُ رَهنًا بهما.
ووَجهُ قَولِ المالِكيَّةِ: عُمومُ قَولِ اللهِ ﷿: ﴿فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ﴾ [البقرة: ٢٨٣]، فعَمَّ كلَّ دَينٍ يَجوزُ أخْذُ الرَّهنِ به، وكلَّ رَهنٍ يَجوزُ ارتِهانُه بكُلِّ دَينٍ، ولأنَّه وَثيقةٌ بالحَقِّ، فإذا اشتَغَلَ بحَقٍّ جازَ أنْ يَشتَغِلَ بحَقٍّ آخَرَ، مع بَقاءِ اشتِغالِه بالحَقِّ الأوَّلِ كالضَّمينِ؛ ولأنَّه زِيادةٌ في التَّراهُنِ في حَقِّ المُتراهنَيْنِ، فأشبَهَ الزِّيادةَ في الرَّهنِ، ولأنَّها زيادةٌ في حَقِّ تَوثيقِه على أنْ تَكونَ الوَثيقةُ بتَعلُّقِه بهما، جازَ ذلك، أصلُه زيادةٌ في الحَقِّ في الضَّمينِ، ولأنَّه حَقٌّ تَعلَّقَ بعَينٍ يُستَوفى مِنْ ثَمَنِها جازَ أنْ يُزاحِمَه في التَّعلُّقِ بها حَقٌّ آخَرُ، أصْلُه أرشُ الجِنايةِ؛ ولأنَّ مَنعَ ذلك لا يَخلو مِنْ أنْ يَكونَ لِحَقِّ الراهِنِ أو المُرتَهَنِ، أو لِعَقدِ المُرتَهَنِ، ولا يَجوزُ أنْ يَكونَ لِحَقِّ الراهِنِ؛ لأنَّ حَقَّه كان في استِرجاعِه عندَ أداءِ الدَّينِ الأوَّلِ، فإذا علَّقه بدَينٍ آخَرَ فقد اختارَ إسقاطَ حَقِّه وبَقيَ تَعلُّقُ التَّوثُّقِ به، وذلك إليه، أو لِحَقِّ المُرتَهَنِ؛ لأنَّه لا ضَرورةَ عليه فيه، ولا لِمَعنًى يَعودُ إلى عَقدُ الرَّهنِ، فوَجَب جَوازُه (١).
(١) «الإشراف» (٣/ ١٢، ١٣) رقم (٨٦٩). يُنظر: «المبسوط» (٢١/ ٩٧)، و «بدائع الصنائع» (٦/ ١٣٩)، و «الاختيار» (٢/ ٧٩)، و «مختصر اختلاف العُلماء» (٤/ ٢٩٤)، و «الجوهرة النيرة» (٣/ ٢٢٣، ٢٢٥)، و «الهداية» (٤/ ١٥٦)، و «العناية» (١٥/ ١٠٣)، و «تبيين الحقائق» (٦/ ٩٥)، و «البحر الرائق» (٨/ ٣٢٥)، و «مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر» (٤/ ٣٠٥)، و «ابن عابدين» (٦/ ٥٢٤)، و «درر الحكام» (٢/ ٩٦)، و «الأم» (٣/ ١٥٤، ١٥٥)، و «الحاوي الكبير» (٦/ ٨٨)، و «المهذب» (١/ ٣٠٩)، و «الشرح الكبير» لِلرافعي (٤/ ٤٦١)، و «المغني» (٤/ ٢٢٧)، و «الأوسط» (٥/ ٦٩١، ٦٩٢).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute