ولأنَّ الرَّهنَ وكلَّ جُزءٍ منه مَرهونٌ بالحَقِّ وبكُلِّ جُزءٍ منه بدَليلِ أنَّه لو قَضاه الحَقَّ إلا جُزءًا منه كان الرَّهنُ كلُّه مَرهونًا في الجُزءِ المُتبَقِّي منه، فلَم يَجُزْ أنْ يَصيرَ مَرهونًا بحَقٍّ آخَرَ؛ لاشتِغالِه بالحَقِّ الأوَّلِ، كمَن أجَّرَ دارًا سَنةً لَم يَجُزْ أنْ يُؤاجِرَها مَرةً أُخرى؛ لاشتِغالِها بالعَقدِ الأوَّلِ، ولأنَّ الرَّهنَ لا يَجوزُ أنْ يَكونَ مُتقدِّمًا على الحَقِّ، فلو جازَ إدخالُ حَقٍّ آخَرَ على الرَّهنِ لَصارَ الرَّهنُ مُتقدِّمًا على الحَقِّ، ولأنَّ الرَّهنَ يَتبَعُ البَيعَ؛ لاقتِرانِه به، واشتِراطِه فيه، يَجري عليه حُكمُه، فلَمَّا لَم يَجُزْ إذا ابتاعَ شَيئًا أنْ يَبتاعَه مَرَّةً أُخرى مع بَقاءِ العَقدِ الأوَّلِ، لَم يَجُزْ إذا ارتَهَنَ شَيئًا أنْ يَرتَهِنَه مَرَّةً أُخرى مع بَقاءِ العَقدِ الأوَّلِ.
وقال المالِكيَّةُ وأبو يُوسُفَ والشافِعُّي في القَديمِ: يَجوزُ ذلك؛ لأنَّه لو زادَه رَهنًا جازَ، ولأنَّ الضَّمانَ وَثيقةٌ، كما أنَّ الرَّهنَ وَثيقةٌ، ثم ثَبَتَ أنَّه لو ضمِن له ألْفًا فصارَتْ ذِمَّتُه مَرهونةً بها جازَ أنْ يَضمَنَ له ألْفًا أُخرى، فتَصيرَ ذِمَّتُه مَرهونةً بألفَيْنِ، كذلك إذا رَهَنه عَبدًا بألْفٍ جازَ أنْ يَرهَنَه بألْفٍ أُخرى فيَصيرَ العَبدُ مَرهونًا بألفَيْنِ.
ووَجْهُ قَولِ أبي يُوسُفَ: أنَّ الدَّينَ مع الرَّهنِ يَتحاذَيانِ مُحاذاةَ المَبيعِ مع الثَّمَنِ حتى يَكونَ المَرهونُ مُحبوسًا بالدَّينِ مَضمونًا به؛ كالمَبيعِ بالثَّمَنِ عن الزِّيادةِ في الرَّهنِ، يُجعَلُ مُلحَقًا بأصلِ العَقدِ، فكذلك الزِّيادةُ في الدَّينِ، كما في البَيعِ، فإنَّ الزِّيادةَ في الثَّمَنِ والمَبيعِ ثَبتَتْ على سَبيلِ الالتِحاقِ بأصْلِ العَقدِ، وهنا مِثلُه، وكما أنَّ الحاجةَ ماسَّةٌ إلى الزِّيادةِ في الرَّهنِ فقد تَكونُ ماسَّةً إلى الزِّيادةِ في الدَّينِ، بأنْ يَكونَ في ماليَّةِ الرَّهنِ فَضلًا على الدَّينِ،