وقال المالِكيَّةُ: يَبطُلُ الرَّهنُ بإذْنِ المُرتَهَنِ لِلراهِنِ في سُكنى لِدارٍ مَرهونةٍ أو في إجارةٍ لِذاتٍ مَرهونةٍ، والبُطلانُ يَحصُلُ ولو لَم يَفعَلِ الراهِنُ ما ذُكِرَ.
وقال الحَنابِلةُ في الوَجهِ الآخَرِ: إنِ اتَّفَقا على إجارةِ الرَّهنِ أو إعارَتِه جازَ ذلك، ولا يَخرُجُ مِنَ الرَّهنِ؛ لأنَّ مَقصودَ الرَّهنِ الاستِيثاقُ بالدَّينِ واستيفاؤُه مِنْ ثَمَنِه عندَ تَعذُّرِ استِيفائِه مِنْ ذِمَّةِ الرَّهنِ، وهذا لا يُنافي الانتِفاعَ به ولا إجارَتَه ولا إعارَتَه فجازَ اجتِماعُهما كانتِفاعِ المُرتَهَنِ به؛ ولأنَّ تَعطيلَ مَنفَعَتِه تَضييعٌ لِلمالِ، وقد نَهى النَّبيُّ ﷺ عن إضاعةِ المالِ؛ ولأنَّه عَينٌ تَعلَّقَ بها حَقُّ الوَثيقةِ فلَم يَمنَعْ إجارَتَها، كالعَبدِ إذا ضُمِنَ بإذْنِ سَيِّدِه، ولا نُسلِّمُ أنَّ مُقتَضى الرَّهنِ الحَبسُ، وإنَّما مُقتَضاه تَعلَّقَ الحَقُّ به على وَجهٍ تَحصُلُ به الوَثيقةُ، وذلك غيرُ مُنافٍ لِلانتِفاعِ به.
ولو سَلَّمنا بأنْ مُقتَضاه الحَبسُ لا يَمنَعُ أنْ يَكونَ المُستأجِرُ نائِبًا عنه في إمساكِه وحَبسِه، ومُستَوفيًا لِمَنفَعَتِه لِنَفْسِه.
وقال الشافِعيَّةُ: يَجوزُ لِلراهِنِ أنْ يَنتفِعَ بالرَّهنِ ما لَم يَضُرَّ بالمُرتَهَنِ، فله كلُّ انتِفاعٍ لا يَنقُصُه، كالرُّكوبِ والاستِخدامِ والسُّكنَى؛ لقَولِ النَّبيِّ ﷺ:«الرَّهنُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ إذا كان مَرْهُونًا، ولَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ بِنَفَقَتِهِ إذا كان مَرْهُونًا، وعَلَى الذي يَرْكَبُ ويَشْرَبُ النَّفَقَةُ»(١)، فجعَل رَسولُ اللهِ ﷺ الرَّهنَ مَركوبًا ومَحلوبًا، ولا يَخلو أنْ يَكونَ ذلك لِلراهِنِ أو لِلمُرتَهَنِ، فلَم يَجُزْ أنْ يُجعَلَ ذلك لِلمُرتَهَنِ؛ لِأمرَيْنِ: