للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووَجهُ الاستِدلالِ به أنَّه جعَل غُرمَه -وهو هَلاكُه- على الراهِنِ، وذلك مُقتَضى الأمانةِ.

فجَميعُ ما كان رَهنًا غيرُ مَضمونٍ على المُرتَهَنِ؛ لأنَّ رَسولَ اللهِ قال: «الرَّهنُ مِنْ صاحِبِه الذي رهَنه»، فما كان منه مِنْ شَيءٍ فضَمانُه منه لا مِنْ غَيرِه، ثم زاد فأكَّدَ له فقال: «له غُنمُه وعليه غُرمُه»، وغُنمُه سَلامَتُه وزيادَتُه، وغُرمُه عَطَبُه ونَقصُه، فلا يَجوزُ فيه إلا أنْ يَكونَ ضَمانُه مِنْ مالِكِه لا مِنْ مُرتَهَنِه.

ثم إنَّ المَرهونَ يُعَدُّ وَثيقةً بالدَّينِ، فلا يَجوزُ أنْ يَسقُطَ الدَّينُ بهَلاكِه اعتبارًا بهَلاكِ الصَّكِّ؛ إذْ إنَّ ذلك يَتنافَى مع جَعلِه وَثيقةً، وكذلك المَرهونُ في يَدِ المُرتَهَنِ برِضا الراهِنِ فيُعَدُّ أمينًا، كالوَديعةِ بالنِّسبةِ لِلمُودِعِ.

وقالوا أيضًا: ولو أننا ضَمَّناه لامتَنَع الناس مِنْ فِعلِه؛ خَوفًا مِنَ الضَّمانِ، ولتَعطَّلتِ المُدايناتُ، وفيه ضَرَرٌ عَظيمٌ.

قال الإمامُ الشافِعيُّ : ولو لَم يَكُنْ في الرَّهنِ خَبَرٌ يُتَّبَعُ ما جازَ في القياسِ إلا أنْ يَكونَ غيرُ مَضمونٍ؛ لأنَّ صاحِبَه دَفَعه غيرَ مَغلوبٍ عليه،


= وقال الحاكم: هذا حديثٌ صحيحٌ على شرطِ الشَّيخينِ ولم يُخرِّجاه لِخلافٍ فيه على أَصحابِ الزُّهريِّ، وقد تابعَه مالكٌ وابنُ أبي ذئبٍ وسُليمانُ بن داودَ الحرَّانيُّ ومحمدُ بن الوليدِ الزُّبيديُّ ومَعمرُ ابنُ راشدٍ على هذه الرِّوايةِ.
قلتُ: هذا الحديثُ فيه اختلافٌ كثيرٌ على أَصحابِ الزُّهريِّ؛ فقد رُوي مُرسلًا ومُتصلًا، وقد بيَّن هذه الرواياتِ كلَّها عن الزُّهريِّ ابنُ عبدِ البرِّ في «التمهيد» (٦/ ٤٢٥)، وما بعدَها، فراجِعْه فإنَّه خِلافٌ طويلٌ لا يتَّسعُ المقامُ لَه.

<<  <  ج: ص:  >  >>