وقال جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيَّةُ والشافِعيَّةُ والحَنابِلةُ في المَذهبِ: يَصحُّ الرَّهنُ بمُجرَّدِ العَقدِ، ولكنْ لا يَلزَمُ الرَّهنُ إلا بالقَبضِ، ولا يَلزَمُ بمُجرَّدِ العَقدِ، فيَجوزُ لِلراهِنِ الرُّجوعُ في الرَّهنِ ما لَم يَقبِضْه المُرتَهَنُ، ولا يَجوزُ لِلمُرتَهَنِ قَبضُه إلا بإذْنِ الراهِنِ؛ لأنَّه لا يَلزَمُه تَقبيضُه، فاعتُبِرَ إذْنُه في قَبضِه كالواهِبِ، فإنْ تَعَدَّى المُرتَهَنُ فقَبَضه بغَيرِ إذْنٍ لَم يَثبُتْ حُكمُه، وكان بمَنزِلةِ مَنْ لَم يَقبِضْ، وإنْ أذِنَ الراهِنُ في القَبضِ ثم رَجَع عن الإذْنِ قَبلَه زالَ حُكمُ الإذْنِ.
وإنْ رَجَع عن الإذْنِ بعدَ قَبضِه لَم يُؤثِّرْ رُجوعُه؛ لأنَّ الرَّهنَ قد لَزِمَ؛ لاتِّصالِ القَبضِ به.
أحَدُها: أنَّه وَصفُ الرَّهنِ بالقَبضِ فوَجَب أنْ يَكونَ شَرطًا في صِحَّتِه كوَصفِ الرَّقبةِ بالإيمانِ والاعتِكافِ في المَسجِدِ والشَّهادةِ بالعَدالةِ، ثم كانتْ هذه الأوصافُ شُروطًا، فكذا القَبضُ.
والثاني: أنَّه ذَكَر غيرَ الرَّهنِ مِنَ العُقودِ، ولَم يَصِفْها بالقَبضِ، وذَكَرَ الرَّهنَ ووَصَفه بالقَبضِ، فلا يَخلو من أنْ يَكونَ وَصَفَ الرَّهنَ بالقَبضِ -إمَّا لاختِصاصِه به، أو لِيَكونَ تَنبيهًا على غَيرِه-، وأيَّهما كان فهو دَليلٌ على لُزومِه فيه.