للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُبوتِ الحَقِّ، كما لو ارتَهَنتِ الزَّوجةُ مَتاعًا مُقابِلَ ما سيَثبُتُ لها مِنْ نَفَقةٍ في أيامٍ مُقبِلةٍ، أو ارتَهَن شَيئًا بما سيُقرِضُه إياه، أو بثَمَنِ ما سيَشتَريه منه فإنَّ الرَّهنَ في هذه الحالاتِ لا يَصحُّ ولا يَنعَقِدُ.

وذلك لأنَّ الرَّهنَ وَثيقةٌ بالحَقِّ، فلا تُقدَّمُ على ثُبوتِه، وتابِعٌ فلا يَسبِقُه كالشَّهادةِ فلا تُقدَّمُ قبلَ ثُبوتِ المَشهودِ عليه ولا تَسبِقُه.

وذهَب الحَنفيَّةُ والمالِكيَّةُ وأبو الخَطَّابِ مِنَ الحَنابِلةِ إلى أنَّه يَصحُّ الرَّهنُ قبلَ ثُبوتِ الحَقِّ، فمَتى قال: «رَهَنتُكَ ثَوبي هذا بعَشَرةٍ تُقرِضُنيها غَدًا»، وسَلَّمَه إليه ثم أقرَضَه الدَّراهِمَ لَزِمَ الرَّهنُ؛ لأنَّه وَثيقةٌ بحَقٍّ فجازَ عَقدُها قبلَ وُجوبِه كالضَّمانِ، أو فجازَ انعِقادُها على شَيءٍ يَحدُثُ في المُستَقبَلِ، كضَمانِ الدَّركِ.

ولقَولِ اللهِ ﷿: ﴿فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ﴾ [البقرة: ٢٨٣]، ولَم يُفرِّقْ؛ ولأنَّ المَقصودَ مِنَ الرَّهنِ هو استِيفاءُ الحَقِّ مِنْ ثَمَنِه، وقد ثَبَت أنَّ ذلك يَجوزُ أنْ يَتعلَّقَ بصِفةٍ تأتي، وهو امتِناعُ مَنْ عليه الحَقُّ مِنْ أدائِه، فجازَ أنْ يَتعلَّقَ الرَّهنُ أيضًا بصِفةٍ تأتي؛ ولأنَّه أذِنَ له في قَبضِه على وَجْهِ الأمانةِ أو الضَّمانِ، فصَحَّ ذلك، أصلُه في الضَّمانِ ضَمانُ القَضاءِ، إذا قال: «خُذْ هذا الكيسَ، فإنْ كان فيه قَدْرُ حَقِّكَ فقد قَضى مِنْ حَقِّكَ»، أو دَفَع الكيسَ إليه ووَكَّلَ غَيرَه بأنْ يَقبِضَ حَقَّه منه، وفي الأمانةِ والوَديعةِ إذا قال له: «متى جاءَكَ فُلانٌ يَقضي الذي عندَه فاقبِضْه بكذا، فهو وَديعةٌ لي عندَكَ».

صُورَتُه عندَ المالِكيَّةِ أنْ يَقولَ شَخصٌ لِآخَرَ: «خُذْ هذا الشَّيءَ عندَكَ رَهنًا على ما سأقتَرِضُه منكَ، أو على ما يَقتَرِضُه منكَ فُلانٌ، أو على ثَمَنِ ما

<<  <  ج: ص:  >  >>