وقال الشافِعيَّةُ: يُشترَطُ في المَرهونِ به أنْ يَكونَ دَيْنًا، أي: مما يَثبُتُ في الذِّمَّةِ، كالدَّراهِمِ والدَّنانيرِ ونَحوِها مِنَ العُملاتِ المُتداوَلةِ التي تُقوَّمُ بها الأشياءُ؛ لأنَّ مَقصودَ الرَّهنِ استيفاءُ المَرهونِ به مِنْ قيمةِ المَرهونِ وثَمَنِه عندَ تَعذُّرِ الوَفاءِ، وهذا مُمكِنٌ في الدَّيْنِ.
ولا عِبرةَ بسَبَبِ الدَّينِ، سَواءٌ أكان ثَمَنَ مَبيعٍ اشتَراه الراهِنُ إلى أجَلٍ أو كان قَرضًا أو كان ضَمانًا بسَبَبِ إتلافِه شَيئًا ما لِلمُرتَهَنِ.
وعليه: لا يَصحُّ أنْ يَكونَ الحَقُّ المَرهونُ به عَينًا كالأعيانِ المَضمونةِ بحُكمِ العَقدِ كالمَبيعِ، أو بحُكمِ اليَدِ كالمَغصوبِ والمُستَعارِ والمأخوذِ على وَجهِ السَّوْمِ، كما لو غَصَبَ إنسانٌ مَتاعًا مِنْ آخَرَ فطالَبَه المَغصوبُ منه به وطَلَب منه أنْ يَرهَنَه شَيئًا مُقابِلَه إلى أنْ يأتيَه به، وكذلك لو استعارَ أحَدٌ شَيئًا فطَلَب المُعيرُ مِنَ المُستَعيرِ أنْ يَرهَنَه شَيئًا ما -مَتاعًا أو نُقودًا مَثَلًا- مُقابِلَه، حتى يأتيَه به لا يَصحُّ مِثلُ هذا الرَّهنِ، وهذا يَقَعُ كَثيرًا في هذه الأيامِ.
وإنَّما لَم يَصحَّ الرَّهنُ مُقابِلَ الأعيانِ لأنَّها لا يُمكِنُ استيفاؤُها مِنْ ثَمَن المَرهونِ عندَ تَعذُّرِ الوَفاءِ وبَيعِ العَينِ المَرهونةِ؛ إذْ كيف تُستَوفَى مَثَلًا سَيَّارةٌ مِنْ ليراتٍ ونَحوِها، وإذا قُلنا: تُستَوفَى قيمَتُها فإنَّ القيمةَ تَختَلِفُ باختِلافِ المُقوِّمينَ فيُؤدِّي ذلك إلى التَّنازُعِ.
على أنَّ الرَّهنَ إنَّما شُرِعَ وذُكِرَ في كِتابِ اللهِ تَعالى في الدَّينِ فلا يَثبُتُ في غَيرِه (١).
(١) «روضة الطالبين» (٣/ ٢٧٣، ٢٧٤)، و «مغني المحتاج» (٣/ ٤٥، ٤٧)، و «نهاية المحتاج» (٤/ ٢٨٥، ٢٨٦)، و «النجم الوهاج» (٤/ ٣٠٣، ٣٠٤).