وأمَّا الحَنفيَّةُ فقال منهم الكاسانيُّ ﵀: مِنْ شَرائِطِ صِحَّةِ الرَّهنِ أنْ يَكونَ بإذْنِ الراهِنِ؛ لِمَا ذَكَرنا في الهِبةِ أنَّ الإذْنَ بالقَبضِ شَرطُ صِحَّتِه فيما له صِحَّةٌ بدُونِ القَبضِ، وهو البَيعُ فلَأنْ يَكونَ شَرطًا فيما لا صِحَّةَ له بدونِ القَبضِ أوْلى، ولأنَّ القَبضَ في هذا البابِ يُشبِهُ الرُّكنَ -كما في الهِبةِ- فيُشبِهُ القَبولَ، وهذا لا يَجوزُ مِنْ غيرِ رِضا الراهِنِ، كذا هذا.
ثم نَقولُ: الإذْنُ نَوعانِ: نَصٌّ وما يَجري مَجرى النَّصِّ دِلالةً.
فالأوَّلُ: نحوَ أنْ يَقولَ: «أذِنتُ له بالقَبضِ»، أو:«رَضيتُ به»، أو:«أقبِضُ»، وما يَجري هذا المَجرى، فيَجوزُ قَبضُه، سَواءٌ قُبِضَ في المَجلِسِ أو بعدَ الافتِراقِ استِحسانًا، وقياسُ قَولِ زُفَرَ في الهِبةِ ألَّا يَجوزَ بعدَ الافتِراقِ.
والآخَرُ: نحوَ أنْ يَقبِضَ المُرتَهَنُ بحَضرةِ الراهِنِ فيَسكُتَ ولا يَنهاه، فيَصحُّ قَبضُه استِحسانًا، وقياسُ قَولِ زُفَرَ في الهِبةِ ألَّا يَصحَّ، كما لا يَصحُّ بعدَ الافتِراقِ؛ لأنَّ القَبضَ عندَه رُكنٌ بمَنزِلةِ القَبولِ، فلا يَجوزُ مِنْ غيرِ إذْنٍ كالقَبولِ، وصارَ كالبَيعِ الصَّحيحِ، بل أوْلى؛ لأنَّ القَبضَ ليس بشَرطٍ لِصِحَّتِه، وأنَّه شَرطٌ لِصِحَّةِ الرَّهنِ.
وَجهُ الاستِحسانِ: أنَّه وُجِدَ الإذْنُ ههنا دِلالةً على الإقدامِ على إيجابِ الرَّهنِ؛ لأنَّ ذلك دِلالةُ القَصدِ إلى إيجابِ حُكمِه، ولا ثُبوتَ لِحُكمِه إلا بالقَبضِ، ولا صِحَّةَ لِلقَبضِ بدُونِ الإذْنِ، فكان الإقدامُ على الإيجابِ دِلالةَ