العَمَل يَقَعُ على الصِّفةِ المَشروطةِ أو لا، فلَم يَكُنْ الامتِناعُ منه إضرارًا بصاحِبِه، فثَبَت الخيارُ.
قال الكاسانيُّ ﵀: والصَّحيحُ ظاهِرُ الرِّوايةِ؛ لأنَّ في إثباتِ الخيارِ لِلصانِعِ ما شُرِعَ له مِنَ الاستِصناعِ، وهو دَفعُ حاجةِ المُستَصنِعِ؛ لأنَّه متى ثَبَت الخيارُ لِلصانِعِ فكلُّ ما فُرِّعَ عنه يَتبَعُه مِنْ غيرِ المُستَصنِعِ فلا تَندفِعُ حاجةُ المُستَصنِعِ.
وقولُ أبي يُوسُفَ ﵀ بأنَّ الصانِعَ يَتضرَّرُ بإثباتِ الخيارِ لِلمُستَصنِعِ مُسَلَّمٌ، ولكنَّ ضَرَرَ المُستَصنِعِ بإبطالِ الخيارِ فَوقَ ضَرَرِ الصانِعِ بإثباتِ الخيارِ لِلمُستَصنِعِ؛ لأنَّ المَصنوعَ إذا لَم يُلائِمْه وطُولِبَ بثَمَنِه لا يُمكِنُه بَيعُ المَصنوعِ مِنْ غيرِه بقيمةِ مِثلِه، ولا يَتعذَّرُ ذلك على الصانِعِ؛ لِكَثرةِ ممارَسَتِه وانتِصابِه لِذلك، ولأنَّ المُستَصنِعَ إذا غُرِّمَ ثَمَنَه ولَم تَندَفِعْ حاجَتُه لَم يَحصُلْ ما شُرِعَ له الاستِصناعُ، وهو اندِفاعُ حاجَتِه، فلا بُدَّ مِنْ إثباتِ الخيارِ له.
فإنْ سَلَّمَ إلى حَدادٍ حَديدًا لِيَعمَلَ له إناءً مَعلومًا بأجْرٍ مَعلومٍ، أو جِلدًا إلى خَفَّافٍ لِيَعمَلَ له خُفًّا مَعلومًا بأجْرٍ مَعلومٍ، فذلك جائِزٌ ولا خيارَ فيه؛ لأنَّ هذا ليس باستِصناعٍ، بل هو استِئجارٌ، فكان جائزًا، فإنْ عَمِلَ كما أُمِرَ استَحَقَّ الأجْرَ، وإنْ فَسَدَ فله أنْ يُضمِّنَه حَديدًا مِثلَه؛ لأنَّه لمَّا أفسَدَه فكأنَّه أخَذَ حَديدًا له، واتَّخَذَ منه آنيةً مِنْ غيرِ إذْنِه، والإناءُ لِلصانِعِ؛ لأنَّ المَضموناتِ تُملَكُ بالضَّمانِ (١).
(١) «بدائع الصنائع» (٥/ ٢، ٥)، و «الاختيار» (٢/ ٤٦، ٤٧)، و «شرح فتح القدير» (٧/ ١١٥)، و «البحر الرائق» (٦/ ١٨٥)، و «ابن عابدين» (٥/ ٢٢٣، ٢٢٤).