الصانِعِ، ولِلمُستَصنَعِ الخيارُ إذا رأى المَصنوعَ؛ لأنَّ الصانِعَ بائِعٌ ما لَم يَرَه، فلا خيارَ له، وأمَّا المُستَصنَعُ فمُشترٍ ما لَم يَرَه، فكان له الخيارُ، بخِلافِ السَّلَمِ؛ لأنَّه لا فائدةَ في إثباتِ الخيارِ فيه؛ لأنَّه كُلَّما رَدَّه عليه أعطاه غَيرَه؛ لِكَونِه غيرَ مُتعيَّنٍ؛ إذِ المُسلَمُ فيه في الذِّمَّةِ، فيَبقى فيها إلى أنْ يَقبِضَه.
وإنَّما كان كذلك لأنَّ المَعقودَ عليه -وإنْ كان مَعدومًا حَقيقةً- أُلحِقَ بالمَوجودِ؛ لِيُمكِنَ القَولُ بجَوازِ العَقدِ، ولأنَّ الخيارَ كان ثابِتًا لَهما قبلَ الإحضارِ؛ لِما ذَكَرنا أنَّ العَقدَ غيرُ لازِمٍ، فالصانِعُ بالإحضارِ أسقَطَ خيارَ نَفْسِه، فبَقيَ خيارُ صاحِبِه على حالِه كالبَيعِ الذي فيه شَرطُ الخيارِ لِلعاقِدَيْنِ إذا أسقَطَ أحَدُهما خيارَه أنَّه يَبقى خيارُ الآخَرِ، كذا هذا جَوابُ ظاهِرِ الرِّوايةِ عن أبي حَنيفةَ وأبي يُوسُفَ ومُحمدٍ ﵏.
ورُويَ عن أبي حَنيفةَ ﵀ أنَّ لِكُلِّ واحِدٍ منهما الخيارَ؛ لأنَّ في تَخييرِ كلِّ واحِدٍ منهما دَفعَ الضَّرَرِ عنه وهو واجِبٌ.
ورُويَ عن أبي يُوسُفَ ﵀ أنَّه لا خيارَ لَهما جَميعًا (١)؛ لأنَّ الصانِعَ قد أفسَدَ مَتاعَه وقَطَعَ جِلدَه وجاء بالعَمَلِ على الصِّفةِ المَشروطةِ، فلو كان لِلمُستَصنِعِ الامتناعُ مِنْ أخْذِه لَكان فيه إضرارٌ بالصانِعِ، بخِلافِ ما إذا قَطَعَ الجِلدَ ولَم يَعمَلْ، فقال المُستَصنِعُ:«لا أُريدُ»؛ لِأنَّا لا نَدري أنَّ
(١) قد أخذَت المَجلَّةُ بِرأيِ أَبي يُوسفَ، فَقرَّرت في المادَّةِ (٣٩٢): أن عَقدَ الاستصْناعِ يَنعقِدُ لَازمًا، فلَيس لاحدِ الطَّرفَينِ الرُّجوعُ، ولَو قبلَ الصُّنعِ، إلَّا أنَّه إذا جاء المَصنوعُ مُغايرًا لِلأَوصافِ المَشروطَةِ، يَتخيَّرُ المُستَصْنع بِفَواتِ الوَصفِ.